مع الشروق .. «السّعادة» لمدرسة غير سعيدة!؟

مع الشروق .. «السّعادة» لمدرسة غير سعيدة!؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/08/08

طلعت علينا وزيرة التربية منذ شهر جويلية المنقضي ببشارة إرساء  المدرسة السّعيدة  انطلاقا من السنة الدراسية المقبلة .  في الحقيقة لم يكن ذلك من بنات أفكارها ، فالفكرة أطلقها أحد المربين منذ أكثر من أربع سنوات (2019) بذات التسمية، كما أنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" دعت  منذ مارس 2023 إلى تحويل  المؤسسات التربوية  إلى " مدارس سعيدة"  والتركيز  في هذا الإطار  على أربعة عناصر رئيسية : الأشخاص، العمليات،  الأماكن، والمبادئ التي ينبغي معالجتها من أجل تهيئة ظروف تعليمية محفّزة.  وتبقى هذه العناصر في حاجة إلى التفكيك لفهمها من الدّاخل وتثبيتها على أسس سليمة.
لئن  اهتدت الوزيرة  إلى العمل بالمثل  تناغما مع هذا المشروع القديم المستحدث، إلا أنّه كان عليها  تأسيس فكرة "السّعادة "  على قواعدها المتينة ، بتهيئة  الأرضية الملائمة وخلق بيئة  تربوية تعليمية مُحفّزة ومُرغّبة  كبديل للبيئة الحالية  المنفّرة  للتلاميذ والمربّين معا.
نعلم أنّ المدرسة العمومية كانت وراء بناء الدولة الوطنية بعد الاستعمار وتكوين الرّصيد البشري التونسي ، بالتعويل على مجانية التعليم  وتعميمه رغم الفقر التنموي المدقع  بالمناطق النائية  والفقر التوعوي ، ورغم الصعوبات التي حفّت بذلك الزمن البعيد ،نجحت المدرسة في تحقيق الحلم وهزم الجهل ، وهذا أيضا وجه من وجوه المدرسة السّعيدة.
تحقّق  هذا الارتقاء من وضع إلى آخر ، وتغلّبنا على الجهل بالمراهنة على التعليم و  التعلّم خارج الشعارات الفضفاضة والرّهانات السياسيَّة المرتجلة  ،  لأنّ العقيدة السائدة في ذلك الزمن وهي في الحقيقة عقيدة  الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، انبنت أساسا على مقارعة الجهل والفقر بالعلم ، فكان أن انطلق  مشروع  تبنّي الدولة   للتعليم  من حاجة  الدولة نفسها لمشروع  بناء لا يكون إلا بإنارة العقول وفتح الأعين على العالم  ، وطبعا لم يحكم   تكريس هذه  القناعة منطق المزايدة أو البحث عن تموقع سياسيّ ، فالحاجة أمّ الضرورة، و الضرورة اقتضت  في ذلك الزمن  إرادة الفعل لا القول.
من هنا اكتسب التعليم العمومي أهميته ، وكان جواد الرّهان السّياسيّ ، ولم يكن هناك مجال لاستعماله ورقة سياسية، أو توظيفه  كواجهة  تلميعيّة للنظام. وسار المشروع السياسي حسب متطلبات المرحلة جنبا الى جنب بالتوازي مع المشروع الاجتماعي لأجل  النهوض بالفرد ، ومنه بالشعب ،وهو ما فتح الأبواب أمام الشهادة التونسية لتكون عالمية ومدّ الجسور أمام الكفاءات التونسية في مختلف أنحاء العالم.
طبعا كل ما تحقق كان فعلا ،لا جعجعة دون رحى، ولعلّ المرحلة الراهنة بعد أكثر من ستة عقود من  بناء العقول ،تستوجب المضيّ في نفس المسار ،بالتعويل على ثقافة  الفعل ثمّ الفِعل . وعليه ، وأمام ما تشهده مؤسّساتنا التربوية اليوم من اهتراء شامل وتردّ   يفترض أن تعيد  وزيرة التربية النظر في  "المدرسة السّعيدة "  حتى تكون مشروعا له قابلية التنفيذ على أرض الواقع لا ضحكا على الذقون.
إن أغلب مدارسنا اليوم بلا حرّاس، وبلا  عاملات نظافة، وبلا نوافذ، وبلا ماء صالح للشراب، ومنها مدارس بلا أسوار، بل هناك مدارس آيلة للسقوط  في أحياء مجاورة للعاصمة، وباتت البدائل  اليوم في أكثر من حيّ  تعتمد  تدريس التلاميذ في صناديق من قصدير صيفا شتاء .  وبمثل هذا الوضع المخجل جدّا من العيب أن  تتشدّق الوزارة بالسّعادة في مدرسة... ليست سعيدة!!.
وحيدة المي 

تعليقات الفيسبوك