مع الشروق:مـــا بعـــد الانتخابــات

مع الشروق:مـــا بعـــد الانتخابــات

تاريخ النشر : 08:30 - 2023/01/29

تغلق اليوم مرحلة جديدة من مراحل بناء المؤسسات بإجراء الدور الثاني للانتخابات التشريعية التي ستفرز مجلسا نيابيا جديدا، سيشتغل وفق الآليات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد. وأيّا كانت نسب المشاركة في هذا الدور فإنّ العملية الانتخابية ستكون مع إغلاق مكاتب الاقتراع مساء هذا اليوم قد انتهت لتفتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة، وجب أن تكون مرحلة بناء وتحول جذري في كل المجالات وإلاّ سنكون قد أهدرنا فرصة جديدة للنهوض والتقدّم. 
ثمة خطوات لم يعد هناك مجال لتأخيرها في بناء مؤسسات الدولة وهي المحكمة الدستورية، فهذه المؤسسة جرى تعطيلها طيلة عشر سنوات وليس هناك من مبرر اليوم لعدم تركيزها وجعل آلية محكّمة في كل القضايا التي تثير الجدل. ولكن الأهم في المرحلة القادمة هو عمل الجهاز التنفيذي رئاسة وحكومة والتشريعي البرلمان الجديد والغرفة الثانية(مجلس الجهات والأقاليم) التي لا بد من تسريع استكمالها حتى لا يظل المجلس النيابي معطّلا،على معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي بلغت مرحلة دقيقة، وشديدة الخطورة، مع تواصل تأجيل الاتفاق مع صندوق النقد وتراجع تصنيف تونس من قبل مؤسسات التصنيف التي تعقّد وضع المالية لتونس. 
تونس الآن وإن كانت في حالة "مرض" فإنها قادرة على النهوض مجددا، إذا ما أسقطنا الخطوط الحمراء، وجعلنا الفرص المتاحة في أرض الواقع قاطرة للتنمية الاقتصادية والبشرية. ففي مجال قطاع الطاقة هناك مشاريع ضخمة يمكن إنجازها مع الشركاء الحقيقيين الراغبين في مساعدة تونس ودون اي شروط مسبقة. وملف قطاع الفسفاط فيه من ممكنات النهوض والازدهار ما يخلص تونس من تبعية مقيتة لمؤسسات المال، خاصة أن هذا القطاع لا يحتكم على الثروات الاستخراجية فقط بل على الصناعات التحويلية وعلى الكفاءات العلمية القادرة على جعل تونس لاعبا استراتيجيا على مستوى العالم في هذه المادة الحيوية للغذاء العالمي. وفي قطاع الزارعة هناك أيضا فرص ضخمة جدا، ولا تنتظر سوى سياسة "إصلاح زراعي" شاملة وعميقة، تبدأ من أقصى شمال تونس إلى أقصى نقطة في الصحراء التونسية التي يمكن أن تكون البديل الزراعي الأضخم في البلاد لو نسجنا على منوال الجارة الجزائر، ورفعنا عنها "المحظورات " التي تساهم في تأبيد الحالة المزرية المشكّلة من عطالة وبطالة وفقر وتهميش. 
هناك شركاء في العالم راغبون في مساعدة تونس، والاقتصار على وجهات معينة للإنقاذ هو استمرار في حالة التبعية المقيتة التي عمقت مظاهر الفساد والحيف الاجتماعي والتي لم تنجح "الثورة"في اجتثاثها لاستمرار المناويل القديمة في صياغة مستقبل تونس. نحن في مرحلة فارقة، حيث الاستحقاقات كبرى والمسؤولية أضخم، ومهمة رئيس الدولة الآن تكمن في أن يمسك بزمام الملفات وأن يجعل متابعتها ومراقبتها حينية، فلن يرضى الشعب بغير العمل والنتائج الملموسة على أرض الواقع.             
كمال بالهادي        

تعليقات الفيسبوك