مع الشروق : عودة مدرسية أخرى دون اصلاح تربوي
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/05
سيكون التونسيون بعد حوالي 10 أيام على موعد مع العودة المدرسية ومع بداية عام دراسي جديد يأمل الجميع ان يكون افضل من سابقيه على مختلف المستويات .. موعد يمثل الحدث السنوي الأهم الذي تنتظره اغلب العائلات كيف لا وقد مثل التعليم في تونس على مر التاريخ مصعدا اجتماعيا فتح لملايين التونسيين على الاقل خلال السبعين عاما التي تلت الاستقلال أبواب التعلّم والشغل والتميز في شتى المجالات وساهم في ما بلغته بلادنا من نمو اقتصادي واجتماعي ..
موعد هام سيكون أبطاله وبطلاته ما لا يقل عن مليونين ونصف تلميذ وتلميذة وما يزيد عن 156 ألف مدرس ومُدرّسة إضافة إلى عشرات آلاف الإداريين والأعوان.. وكلهم يجمعهم امل وحيد وتحدوهم انتظارات مشتركة تتخلص في ان يكون التعليم ببلادنا في افضل حال وأن يتطور أكثر وان تتوفر فيه كل عوامل الترغيب في الدراسة وليس العكس وان يقع تكريس قواعده الاساسية وفي مقدمتها مجانية التعليم واجباريته وجودته شكلا ومضمونا وكذلك إتاحته للجميع على قدم المساواة ..
عودة مدرسية جديدة، يأمل الجميع، من عائلات وتلاميذ ومدرسين وغيرهم من المتدخلين في المنظومة التعليمية، أن تكون فاتحة عام دراسي مختلف عن سابقيه وأن يقع خلاله القطع جذريا مع مختلف المظاهر السلبية التي تكررت في كل الأعوام السابقة تقريبا. وهي المظاهر التي أثرت، بشكل لم يعد مقبولا، على سير الدروس وعلى جودة التعليم وخاصة على مكتسبات التلميذ المعرفية والعلمية والتثقيفية وأثرت ايضا على جودة المؤهلات المطلوبة في سوق الشغل..
في السنوات الأخيرة تراجعت جودة التعليم بسبب ما أصبح يشهده العام الدراسي من أزمات مختلفة وتعطيلات وغيابات وتوقف الدروس . ومجانية التعليم أصبحت محلّ تشكيك بعد ان دفعت الازمات التي يشهدها التعليم العمومي بكثيرين نحو التعليم الخاص المُكلف. وتكاليف الدراسة ارتفعت بشكل كبير بفعل غلاء أسعار اللوازم المدرسية وتكاليف الدروس الخصوصية.. ووضع البنية التحتية لأغلب المؤسسات التربوية اصبح رديئا وأحيانا "كارثيا" دون الحديث عن تواصل غياب الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في مدارسنا.
أزمات عديدة تعمقت في ظل تعطل الإصلاح التربوي الذي كان من المفروض ان تتطور معه البرامج التعليمية شكلا و مضمونا، وان يتحسّن معه الزمن المدرسي "الثقيل" وايضا وضع المُربّين، وهو ما تغافلت عنه الحكومات المتعاقبة منذ 2011 بل وقع التفريط في بعض المكتسبات التي تحققت سابقا. وهو ما أدى الى ظهور بعض البوادر المثيرة للمخاوف من إمكانية التفريط في مكسب التعليم الذي كرسته دولة الاستقلال وظل على امتداد عشرات السنين رافعة اجتماعية واقتصادية أساسية في بلادنا.
ورغم ان التعليم في تونس مازال، رغم الصعوبات، يُنتج ثروة بشرية عالية الجودة يمتد اشعاعها داخليا وخارجيا، إلا أن التجربة كشفت في الأعوام الماضية أنه كلما زاد وضع المدرسة سوء إلا وتعدّدت المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن ذلك.. فمعدل الانقطاع المدرسي أصبح يفوق 100 ألف تلميذ سنويا (مليون في 10 سنوات) وهو ما يؤدي آليا إلى جملة من المخاطر الأخرى في مقدمتها البطالة المبكرة والارتماء في مستنقع الجريمة او الإرهاب او الهجرة غير النظامية..
لا يتطلب الحفاظ على مكسب التعليم وتثمين الثروة البشرية الوطنية غير التعجيل بتنفيذ اصلاح تربوي حقيقي وشامل يأخذ بكل الجوانب ويُعيد إلى المدرسة بريقها واشعاعها وإلى التلميذ رغبة التشبث بالتعلم والمعرفة وإلى المربي روح العطاء الغزير، وهذا "الحُلم" اصبح بالامكان تحقيقه اليوم بعد بعث المجلس الاعلى للتربية.غير ان ذلك قد لا يكفي وحده إذا لم يقع التعاطي مع الشان التربوي بوصفه من مقومات الامن القومي . وهو ما يتطلب التفاف الجميع حول هذا المكسب الوطني الهام وتحلي كل المتدخلين في المنظومة التربوية بأكثر مسؤولية ورغبة في الإصلاح وتحلي الدولة بأكثر جرأة وشجاعة وصرامة في فرض الإصلاح..
فاضل الطياشي
سيكون التونسيون بعد حوالي 10 أيام على موعد مع العودة المدرسية ومع بداية عام دراسي جديد يأمل الجميع ان يكون افضل من سابقيه على مختلف المستويات .. موعد يمثل الحدث السنوي الأهم الذي تنتظره اغلب العائلات كيف لا وقد مثل التعليم في تونس على مر التاريخ مصعدا اجتماعيا فتح لملايين التونسيين على الاقل خلال السبعين عاما التي تلت الاستقلال أبواب التعلّم والشغل والتميز في شتى المجالات وساهم في ما بلغته بلادنا من نمو اقتصادي واجتماعي ..
موعد هام سيكون أبطاله وبطلاته ما لا يقل عن مليونين ونصف تلميذ وتلميذة وما يزيد عن 156 ألف مدرس ومُدرّسة إضافة إلى عشرات آلاف الإداريين والأعوان.. وكلهم يجمعهم امل وحيد وتحدوهم انتظارات مشتركة تتخلص في ان يكون التعليم ببلادنا في افضل حال وأن يتطور أكثر وان تتوفر فيه كل عوامل الترغيب في الدراسة وليس العكس وان يقع تكريس قواعده الاساسية وفي مقدمتها مجانية التعليم واجباريته وجودته شكلا ومضمونا وكذلك إتاحته للجميع على قدم المساواة ..
عودة مدرسية جديدة، يأمل الجميع، من عائلات وتلاميذ ومدرسين وغيرهم من المتدخلين في المنظومة التعليمية، أن تكون فاتحة عام دراسي مختلف عن سابقيه وأن يقع خلاله القطع جذريا مع مختلف المظاهر السلبية التي تكررت في كل الأعوام السابقة تقريبا. وهي المظاهر التي أثرت، بشكل لم يعد مقبولا، على سير الدروس وعلى جودة التعليم وخاصة على مكتسبات التلميذ المعرفية والعلمية والتثقيفية وأثرت ايضا على جودة المؤهلات المطلوبة في سوق الشغل..
في السنوات الأخيرة تراجعت جودة التعليم بسبب ما أصبح يشهده العام الدراسي من أزمات مختلفة وتعطيلات وغيابات وتوقف الدروس . ومجانية التعليم أصبحت محلّ تشكيك بعد ان دفعت الازمات التي يشهدها التعليم العمومي بكثيرين نحو التعليم الخاص المُكلف. وتكاليف الدراسة ارتفعت بشكل كبير بفعل غلاء أسعار اللوازم المدرسية وتكاليف الدروس الخصوصية.. ووضع البنية التحتية لأغلب المؤسسات التربوية اصبح رديئا وأحيانا "كارثيا" دون الحديث عن تواصل غياب الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في مدارسنا.
أزمات عديدة تعمقت في ظل تعطل الإصلاح التربوي الذي كان من المفروض ان تتطور معه البرامج التعليمية شكلا و مضمونا، وان يتحسّن معه الزمن المدرسي "الثقيل" وايضا وضع المُربّين، وهو ما تغافلت عنه الحكومات المتعاقبة منذ 2011 بل وقع التفريط في بعض المكتسبات التي تحققت سابقا. وهو ما أدى الى ظهور بعض البوادر المثيرة للمخاوف من إمكانية التفريط في مكسب التعليم الذي كرسته دولة الاستقلال وظل على امتداد عشرات السنين رافعة اجتماعية واقتصادية أساسية في بلادنا.
ورغم ان التعليم في تونس مازال، رغم الصعوبات، يُنتج ثروة بشرية عالية الجودة يمتد اشعاعها داخليا وخارجيا، إلا أن التجربة كشفت في الأعوام الماضية أنه كلما زاد وضع المدرسة سوء إلا وتعدّدت المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن ذلك.. فمعدل الانقطاع المدرسي أصبح يفوق 100 ألف تلميذ سنويا (مليون في 10 سنوات) وهو ما يؤدي آليا إلى جملة من المخاطر الأخرى في مقدمتها البطالة المبكرة والارتماء في مستنقع الجريمة او الإرهاب او الهجرة غير النظامية..
لا يتطلب الحفاظ على مكسب التعليم وتثمين الثروة البشرية الوطنية غير التعجيل بتنفيذ اصلاح تربوي حقيقي وشامل يأخذ بكل الجوانب ويُعيد إلى المدرسة بريقها واشعاعها وإلى التلميذ رغبة التشبث بالتعلم والمعرفة وإلى المربي روح العطاء الغزير، وهذا "الحُلم" اصبح بالامكان تحقيقه اليوم بعد بعث المجلس الاعلى للتربية.غير ان ذلك قد لا يكفي وحده إذا لم يقع التعاطي مع الشان التربوي بوصفه من مقومات الامن القومي . وهو ما يتطلب التفاف الجميع حول هذا المكسب الوطني الهام وتحلي كل المتدخلين في المنظومة التربوية بأكثر مسؤولية ورغبة في الإصلاح وتحلي الدولة بأكثر جرأة وشجاعة وصرامة في فرض الإصلاح..
فاضل الطياشي
