مع الشروق .. المولد النبوي الشريف .. لماذا نتهافت على المظهر وننسى الجوهر؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/09/11
كل عام، وقبيل موعد المولد النبوي الشريف تغرق العائلات التونسية في «صحفة الزقوقو».. وتتحول هذه المادة المنسية طوال السنة إلى سيدة الموائد وسيدة أحاديث العائلات.. لا حديث إلا عن الزقوقو وأسعاره التي تمارس القفز العالي.. وعن «مستلزمات صحفة الزقوقو» من فواكه جافة وقد صارت أسعارها تمارس «القفز بالزانة».. وباتت تحلق في الفضاء لتعصف بجيوب خلق الله المنهكة والمثقوبة أصلا بفعل غلاء الأسعار وحمّى الاستهلاك التي استبدت بكل الناس.
ومثلما تستعد العائلات التونسية لهذا الموعد النبيل.. ويلهث التونسي يمنة ويسرة، فإن المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار باتوا يدركون أن التونسي «يشتكي ويشتري» مهما شحّ العرض ومهما ارتفعت الأسعار، باتوا يتقنون لعبة شد الحبل مع المواطن.. قبل أشهر ينخرطون في حملة تخزين هذه البضاعة التي لا يكثر عليها الاقبال إلاّ مرّة في السنة.. ويخلقون الندرة مع اقتراب موعد مولد خير الانام (صلعم).. ويرفعون في الأسعار بشكل فجّ ولا مبرّر له مستغلين سذاجة المواطن وتهافته على هذه البضاعة بأي ثمن.. بعد أن أضفى عليها وعلى المناسبة هالة من القدسية التي جعلت الناس يتمسكون بالقشور وبالمظاهر وينسون المعنى والمغزى والجوهر..
فجوهر الحكاية ليس التهافت على الزقوقو وليس التفنن في احضار المكوّنات ومكمّلات الزينة.. وجوهر المناسبة ليس اللهث وراء هذه المادة والسعي إلى إحضارها بأي ثمن.. وجوهر الحكاية ليس مظاهر وسلوكات سخيفة يغرق فيها الجميع وكأنما ارتبطت المناسبة ارتباطا وثيقا وعضويا بمادة الزقوقو.. وفي الأصل يجب أن يكون تهافت الناس وتسابق العائلات على المعاني والعبر والدروس التي ينصح بها المولد النبوي الشريف. والتسابق يجب أن يكون في تحصيل جوهر هذه المناسبة الجليلة.. ممثلة في مولد سيد الأنام (صلعم) وكيف أنه حامل اخر الرسالات السماوية رسالة الاسلام التي أخرجت الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك بالله العزيز الحكيم إلى أنوار التوحيد والايمان بالواحد الأحد، خالق كل شيء والذي إليه نسير وإليه المصير.
وفي مولد خير البرية دروس وعبر لا تحصى ولا تعد.. وتدور حول صعوبات الحياة حيث نشأ الرسول الكريم(صلعم) في بيئة فقيرة ونشأ يتيما ليكافح ويضحّي أولا من أجل البقاء، وثانيا ليبلغنا رسالة التوحيد عندما حان وقت بعثته.. فقد كابد وصبر وثابر ليتجاوز كل الاوقات الصعبة التي فرضها عليه قوم قاسية قلوبهم وحدثنا العلي القدير بأنها أقسى من الحجارة.. لأن في الحجارة ما يلين وما يشقّق فيخرج منها الماء.. أما قلوب كفار قريش فقد كانت أشد قسوة.. قسوة وصلت حد تعذيب الرسول وحصاره وتجويعه واتباعه.. ووصلت حدّ الكيد له والتآمر عليه لقتله.. وكلها مصاعب قابلها رسولنا الكريم بالصبر والجلد إلى أن عمّ نور الايمان وكسرت طواغيت قريش وطواغيت العالم. وفي هذه التضحيات أم العبر والدروس لكل المسلمين وللبشرية جمعاء.. عِبر ودروس مفادها أن الدين لم يكن ليظهر بعد مشيئة الله إلا بصبر النبي وبتضحياته.. وهو ما يفترض أن يجعلنا نتوقف في مناسبة مولده عند مناقبه وعند تضحياته من أجلنا ومن أجل البشرية جمعاء.
والتوقف عند هذه المناسبة واستذكار مناقب الرسول وتضحياته.. والتعبير عن حبّنا له وتمسّكنا بالديانة التي جاءنا بها لا يكون بـ«عصيدة الزقوقو».. ولا حتى بكل أصناف العصيدة غلا أو رخص سعرها لأنها سوف تذهب في الأخير إلى المجاري.. وإنما يكون بذكر مناقبه والتوقف عند تفاصيل سيرته وبالصلاة والتسليم عليه وبتلاوة القرآن.. لأن هذه الأعمال هي وحدها التي تذهب إلى ميزان الحسنات.. وهي وحدها التي يثيب عليها المولى عز وجل.. وهي وحدها ما ينفع الناس ويمكث في الأرض أما باقي المظاهر التي يتهافت عليها الناس من قبيل اللهث وراء الزقوقو وتوفيره بأي ثمن فهو من قبيل الزبد.. والزبد يذهب جفاء.
عبد الحميد الرياحي
كل عام، وقبيل موعد المولد النبوي الشريف تغرق العائلات التونسية في «صحفة الزقوقو».. وتتحول هذه المادة المنسية طوال السنة إلى سيدة الموائد وسيدة أحاديث العائلات.. لا حديث إلا عن الزقوقو وأسعاره التي تمارس القفز العالي.. وعن «مستلزمات صحفة الزقوقو» من فواكه جافة وقد صارت أسعارها تمارس «القفز بالزانة».. وباتت تحلق في الفضاء لتعصف بجيوب خلق الله المنهكة والمثقوبة أصلا بفعل غلاء الأسعار وحمّى الاستهلاك التي استبدت بكل الناس.
ومثلما تستعد العائلات التونسية لهذا الموعد النبيل.. ويلهث التونسي يمنة ويسرة، فإن المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار باتوا يدركون أن التونسي «يشتكي ويشتري» مهما شحّ العرض ومهما ارتفعت الأسعار، باتوا يتقنون لعبة شد الحبل مع المواطن.. قبل أشهر ينخرطون في حملة تخزين هذه البضاعة التي لا يكثر عليها الاقبال إلاّ مرّة في السنة.. ويخلقون الندرة مع اقتراب موعد مولد خير الانام (صلعم).. ويرفعون في الأسعار بشكل فجّ ولا مبرّر له مستغلين سذاجة المواطن وتهافته على هذه البضاعة بأي ثمن.. بعد أن أضفى عليها وعلى المناسبة هالة من القدسية التي جعلت الناس يتمسكون بالقشور وبالمظاهر وينسون المعنى والمغزى والجوهر..
فجوهر الحكاية ليس التهافت على الزقوقو وليس التفنن في احضار المكوّنات ومكمّلات الزينة.. وجوهر المناسبة ليس اللهث وراء هذه المادة والسعي إلى إحضارها بأي ثمن.. وجوهر الحكاية ليس مظاهر وسلوكات سخيفة يغرق فيها الجميع وكأنما ارتبطت المناسبة ارتباطا وثيقا وعضويا بمادة الزقوقو.. وفي الأصل يجب أن يكون تهافت الناس وتسابق العائلات على المعاني والعبر والدروس التي ينصح بها المولد النبوي الشريف. والتسابق يجب أن يكون في تحصيل جوهر هذه المناسبة الجليلة.. ممثلة في مولد سيد الأنام (صلعم) وكيف أنه حامل اخر الرسالات السماوية رسالة الاسلام التي أخرجت الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك بالله العزيز الحكيم إلى أنوار التوحيد والايمان بالواحد الأحد، خالق كل شيء والذي إليه نسير وإليه المصير.
وفي مولد خير البرية دروس وعبر لا تحصى ولا تعد.. وتدور حول صعوبات الحياة حيث نشأ الرسول الكريم(صلعم) في بيئة فقيرة ونشأ يتيما ليكافح ويضحّي أولا من أجل البقاء، وثانيا ليبلغنا رسالة التوحيد عندما حان وقت بعثته.. فقد كابد وصبر وثابر ليتجاوز كل الاوقات الصعبة التي فرضها عليه قوم قاسية قلوبهم وحدثنا العلي القدير بأنها أقسى من الحجارة.. لأن في الحجارة ما يلين وما يشقّق فيخرج منها الماء.. أما قلوب كفار قريش فقد كانت أشد قسوة.. قسوة وصلت حد تعذيب الرسول وحصاره وتجويعه واتباعه.. ووصلت حدّ الكيد له والتآمر عليه لقتله.. وكلها مصاعب قابلها رسولنا الكريم بالصبر والجلد إلى أن عمّ نور الايمان وكسرت طواغيت قريش وطواغيت العالم. وفي هذه التضحيات أم العبر والدروس لكل المسلمين وللبشرية جمعاء.. عِبر ودروس مفادها أن الدين لم يكن ليظهر بعد مشيئة الله إلا بصبر النبي وبتضحياته.. وهو ما يفترض أن يجعلنا نتوقف في مناسبة مولده عند مناقبه وعند تضحياته من أجلنا ومن أجل البشرية جمعاء.
والتوقف عند هذه المناسبة واستذكار مناقب الرسول وتضحياته.. والتعبير عن حبّنا له وتمسّكنا بالديانة التي جاءنا بها لا يكون بـ«عصيدة الزقوقو».. ولا حتى بكل أصناف العصيدة غلا أو رخص سعرها لأنها سوف تذهب في الأخير إلى المجاري.. وإنما يكون بذكر مناقبه والتوقف عند تفاصيل سيرته وبالصلاة والتسليم عليه وبتلاوة القرآن.. لأن هذه الأعمال هي وحدها التي تذهب إلى ميزان الحسنات.. وهي وحدها التي يثيب عليها المولى عز وجل.. وهي وحدها ما ينفع الناس ويمكث في الأرض أما باقي المظاهر التي يتهافت عليها الناس من قبيل اللهث وراء الزقوقو وتوفيره بأي ثمن فهو من قبيل الزبد.. والزبد يذهب جفاء.
عبد الحميد الرياحي