مع الشروق : التحالفات الجديدة...بداية أفول القطب الواحد؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/04
لا يمكن النظر إلى الخبر المتعلق باتهامات الرئيس الأمريكي ترامب حول وجود تآمر بين الرؤساء الروسي والصيني والكوري الشمالي ضد الولايات المتحدة بمعزل عن المشهد الدولي الآخذ في التشكّل منذ سنوات، فالعالم يسعى إلى التحرر من ربقة أحادية القطبية التي تقوده منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وبات ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ وإعادة توزيع موازين القوى، ببروز تحالفات جديدة لم يعد الغرب قادرا على كبحها أو التقليل من تأثيرها.
فمنذ نهاية الحرب الباردة، اعتبر الغرب نفسه القطب الأوحد الذي يدير النظام الدولي وفق مصالحه وبمختلف وسائل الهيمنة الاقتصادية والمالية منها أو العسكرية، غير أن السنوات الأخيرة أثبتت أن هذه الهيمنة لم تعد مطلقة بل تآكلت أمام صعود قوى أخرى تمتلك أدوات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية منافسة، والانتقادات الأخيرة من ترامب تعكس إدراك النخبة الأمريكية بأن واشنطن لم تعد تتحكم وحدها في قواعد اللعبة.
فالصين مثلا أصبحت اليوم قوة استراتيجية تسعى لإعادة صياغة النظام الدولي من خلال مشروع الحزام والطريق الذي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، ومن خلال استثماراتها في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة، والعرض العسكري الضخم الذي نظمه الرئيس شي جين بينغ في بكين بحضور الرئيسين الروسي والكوري الشمالي لم يكن مجرد استعراض رمزي، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن بكين لم تعد تخفي طموحها في لعب دور قطب عالمي يوازن الغرب وتعلن ذلك صراحة.
ورغم العقوبات الغربية والحرب المفتوحة في أوكرانيا، فقد تمكنت روسيا من الحفاظ على مكانتها كقوة عسكرية كبرى وكمزود رئيسي للطاقة خصوصا في الأسواق الآسيوية، وحضور بوتين في العرض العسكري في بيكين إلى جانب الرئيس الكوري الشمالي يعكس سياسة روسية واضحة تسعى من خلالها إلى التموقع ضمن تحالف آسيوي أوراسي قادر على كسر الطوق الغربي، وقد أثبتت موسكو قدرتها على امتصاص العقوبات وإعادة توجيه صادراتها نحو الشرق مما قوّى من تحالفها مع الصين وجعلها أكثر استعدادا لتحدي النفوذ الغربي في مناطق مختلفة من العالم.
إن اجتماع الصين وروسيا وكوريا الشمالية رغم اختلاف مصالحهم يعكس توجها عالميا جديدا يقوم على إنهاء عصر القطب الواحد واستبداله بنظام متعدد الأقطاب، حيث تتوزع مراكز القرار بين واشنطن وبيكين وموسكو، مع أدوار لقوى إقليمية صاعدة كالهند والبرازيل وغيرهما، بما يعكس منافسة محتدمة على النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري وهو ما سيعيد تشكيل خرائط التحالفات العالمية.
وحين يصرّح الكرملين بأنه لا وجود لأي تآمر، فإنه محق تماما من الناحية الشكلية، غير أن الواقع يؤكد وجود اصطفافات جديدة تتشكل قد لا تنضوي ضمن منطق المؤامرة، لكنها دون شك تحالفات معلنة تضعف نفوذ الغرب وتفتح الباب أمام نظام عالمي جديد لم تتضح ملامحه بالكامل بعد.
فما نشهده اليوم ليس مجرد خلافات ظرفية، بقدر ما هي تحولات عميقة في العلاقات الدولية، إذ أن عصر القطب الواحد الذي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفياتي يوشك على الأفول بدخول العالم مرحلة جديدة من التعددية القطبية حيث لا يملك أحد سلطة القرار بمفرده بمعزل عن القوى الأخرى.
هاشم بوعزيز
لا يمكن النظر إلى الخبر المتعلق باتهامات الرئيس الأمريكي ترامب حول وجود تآمر بين الرؤساء الروسي والصيني والكوري الشمالي ضد الولايات المتحدة بمعزل عن المشهد الدولي الآخذ في التشكّل منذ سنوات، فالعالم يسعى إلى التحرر من ربقة أحادية القطبية التي تقوده منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وبات ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ وإعادة توزيع موازين القوى، ببروز تحالفات جديدة لم يعد الغرب قادرا على كبحها أو التقليل من تأثيرها.
فمنذ نهاية الحرب الباردة، اعتبر الغرب نفسه القطب الأوحد الذي يدير النظام الدولي وفق مصالحه وبمختلف وسائل الهيمنة الاقتصادية والمالية منها أو العسكرية، غير أن السنوات الأخيرة أثبتت أن هذه الهيمنة لم تعد مطلقة بل تآكلت أمام صعود قوى أخرى تمتلك أدوات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية منافسة، والانتقادات الأخيرة من ترامب تعكس إدراك النخبة الأمريكية بأن واشنطن لم تعد تتحكم وحدها في قواعد اللعبة.
فالصين مثلا أصبحت اليوم قوة استراتيجية تسعى لإعادة صياغة النظام الدولي من خلال مشروع الحزام والطريق الذي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، ومن خلال استثماراتها في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة، والعرض العسكري الضخم الذي نظمه الرئيس شي جين بينغ في بكين بحضور الرئيسين الروسي والكوري الشمالي لم يكن مجرد استعراض رمزي، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن بكين لم تعد تخفي طموحها في لعب دور قطب عالمي يوازن الغرب وتعلن ذلك صراحة.
ورغم العقوبات الغربية والحرب المفتوحة في أوكرانيا، فقد تمكنت روسيا من الحفاظ على مكانتها كقوة عسكرية كبرى وكمزود رئيسي للطاقة خصوصا في الأسواق الآسيوية، وحضور بوتين في العرض العسكري في بيكين إلى جانب الرئيس الكوري الشمالي يعكس سياسة روسية واضحة تسعى من خلالها إلى التموقع ضمن تحالف آسيوي أوراسي قادر على كسر الطوق الغربي، وقد أثبتت موسكو قدرتها على امتصاص العقوبات وإعادة توجيه صادراتها نحو الشرق مما قوّى من تحالفها مع الصين وجعلها أكثر استعدادا لتحدي النفوذ الغربي في مناطق مختلفة من العالم.
إن اجتماع الصين وروسيا وكوريا الشمالية رغم اختلاف مصالحهم يعكس توجها عالميا جديدا يقوم على إنهاء عصر القطب الواحد واستبداله بنظام متعدد الأقطاب، حيث تتوزع مراكز القرار بين واشنطن وبيكين وموسكو، مع أدوار لقوى إقليمية صاعدة كالهند والبرازيل وغيرهما، بما يعكس منافسة محتدمة على النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري وهو ما سيعيد تشكيل خرائط التحالفات العالمية.
وحين يصرّح الكرملين بأنه لا وجود لأي تآمر، فإنه محق تماما من الناحية الشكلية، غير أن الواقع يؤكد وجود اصطفافات جديدة تتشكل قد لا تنضوي ضمن منطق المؤامرة، لكنها دون شك تحالفات معلنة تضعف نفوذ الغرب وتفتح الباب أمام نظام عالمي جديد لم تتضح ملامحه بالكامل بعد.
فما نشهده اليوم ليس مجرد خلافات ظرفية، بقدر ما هي تحولات عميقة في العلاقات الدولية، إذ أن عصر القطب الواحد الذي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفياتي يوشك على الأفول بدخول العالم مرحلة جديدة من التعددية القطبية حيث لا يملك أحد سلطة القرار بمفرده بمعزل عن القوى الأخرى.
هاشم بوعزيز
