فنزويلا على حافة الحرب.. "خطة دفاع" وسط تحركات أمريكية ضخمة
تاريخ النشر : 11:19 - 2025/10/20
تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا إلى مستويات غير مسبوقة، بعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو استكمال "خطة الدفاع الوطنية" ضد ما وصفه بـ"التهديدات الأمريكية"، في ظل تحركات بحرية وجوية أمريكية واسعة قرب سواحل كاراكاس.
وبينما تصف واشنطن عملياتها بأنها "حملة لمكافحة المخدرات"، يرى مادورو أنها تمهيد لعملية تغيير نظام بالقوة، مستحضراً ذاكرة الانقلابات الأمريكية في أمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي، وفق صحيفة "يوراسيان تايمز".
أعلن مادورو في خطاب عبر "تلغرام"، أن بلاده "أكملت جميع مناطق الدفاع المتكاملة" وأطلقت مناورات ضخمة حملت اسم "الاستقلال 200"، بمشاركة الجيش والشرطة والميليشيات المدنية.
وبثّ التلفزيون الرسمي مشاهد لقوات تغادر ثكناتها ليلاً نحو مواقع حدودية، في استعراض رمزي للجاهزية العسكرية؛ لكن خلف هذه العروض الميدانية، تختبئ أزمة جيوسياسية أعمق بين واشنطن وخصمها الاشتراكي اللدود.
صراع النفوذ
بدأت الأزمة تتصاعد منذ سبتمبر الماضي عندما شنت القوات الأمريكية ست ضربات بحرية على زوارق يُعتقد أنها تنقل المخدرات من فنزويلا إلى الولايات المتحدة؛ ما أدى إلى مقتل 27 شخصًا على الأقل.
غياب الأدلة
ورغم وصف البيت الأبيض هذه الضربات بأنها جزء من عملية إقليمية ضد شبكات الكارتل، فإن غياب الأدلة على تورط الحكومة الفنزويلية أثار اتهامات بانتهاك القانون الدولي.
تقارير أمريكية من شبكتي CBS وNBC أشارت إلى أن بعض الناجين من إحدى الغارات أُسروا على متن سفينة حربية أمريكية، في وقت رفضت فيه وزارة الدفاع تقديم أي تفاصيل حول هوياتهم أو مصيرهم.
ووصف ترامب في مؤتمر صحفي إحدى السفن المستهدفة بأنها "غواصة مخدرات مصممة خصوصًا"، مبررًا التصعيد العسكري بضرورة "قطع شريان التمويل للنظام في كاراكاس".
لكن يرى محللون أن التحرك الأمريكي يحمل أهدافًا أبعد من الحرب على المخدرات؛ فبعد إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، تبنّت واشنطن نهجًا هجوميًّا في نصف الكرة الغربي، يهدف إلى كبح النفوذ الصيني والروسي المتزايد في فنزويلا؛ فالصين تُعدّ المستثمر الأكبر في قطاع النفط الفنزويلي، فيما تواصل موسكو تزويد كاراكاس بأنظمة دفاع جوي وأسلحة متقدمة.
هذا التقاطع بين مكافحة الجريمة العابرة للحدود وصراع القوى العظمى جعل من البحر الكاريبي مسرحًا لتوازنات جديدة تتجاوز المخدرات إلى إعادة رسم النفوذ في أمريكا اللاتينية.
خطر الحرب يلوح في الأفق
ردّ مادورو على التصعيد الأمريكي بإطلاق حملة تعبئة عسكرية غير مسبوقة، حشد خلالها 17 ألف جندي في ولاية تاتشيرا قرب الحدود الكولومبية، محذرًا من أي "عدوان خارجي".
وقال في خطاب ناري: "فنزويلا لن تُخضعها قاذفات بي-52 ولا أساطيل الإمبراطورية".
"خروج آمن" لمادورو
تزامن ذلك مع تحليق قاذفات إستراتيجية أمريكية من طراز B-52 فوق البحر الكاريبي لساعات، في رسالة واضحة بأن واشنطن مستعدة لفرض إرادتها بالقوة.
في المقابل، رفضت نائبة الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز تقارير صحيفة ميامي هيرالد التي تحدثت عن محادثات سرية مع مسؤولين أمريكيين حول "خروج آمن" لمادورو. وقالت بلهجة متحدية: "لا تفاوض مع من يهدد سيادتنا".
لكن خلف الخطاب المتشدد، تُظهر مؤشرات عدة أن النظام الفنزويلي يواجه اختناقًا لإستراتيجيًّا واقتصاديًّا. فالعقوبات الأمريكية المشددة، وانهيار العملة المحلية، وتراجع صادرات النفط، جعلت كاراكاس تعتمد بشكل متزايد على الدعم الروسي والصيني والإيراني.
لذلك، يرى مراقبون أن تلويح ترامب بمهام سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) قد يكون محاولة لدفع مادورو إلى تقديم تنازلات دون الدخول في حرب مباشرة مكلفة للطرفين.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، تتورط دول مجاورة مثل ترينيداد وتوباغو وكولومبيا في تداعيات الأزمة، بعد مقتل مواطنين لها في الغارات الأمريكية الأخيرة؛ حيث عبّر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن "قلقه العميق"، محذرًا من أن تتحول منطقة الكاريبي إلى "حزام نار جديد" في نصف الكرة الغربي.
"سياسة العصا" الأمريكية
تُعيد التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة إلى الأذهان عقيدة مونرو القديمة التي تعتبر أمريكا اللاتينية "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة؛ لكن في نسخة ترامب 2025، تتخذ هذه العقيدة شكلًا أكثر حدة، إذ تُستخدم القوة الصلبة والعمليات الاستخباراتية بدلًا من النفوذ الدبلوماسي.
ورغم أن واشنطن تبرر حملتها بأنها "ضد تهريب المخدرات"، فإن المؤشرات الميدانية والسياسية توحي بأن الهدف الحقيقي هو زعزعة نظام مادورو وإعادة النفوذ الأمريكي إلى منطقة لطالما شكلت مجال نفوذها التاريخي.
في المقابل، تراهن فنزويلا على تعبئة قومية لمواجهة ما تعتبره "عدوانًا إمبرياليًّا"، مستفيدة من الإرث المعادي للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية؛ ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يستطيع مادورو الصمود أمام ضغوط اقتصادية وعسكرية متصاعدة، أو أن لعبة "الردع المتبادل" ستنتهي بمواجهة مفتوحة؟
في الوقت الراهن، كل المؤشرات توحي بأن حرب الظل بين واشنطن وكاراكاس بدأت بالفعل، حتى وإن لم تُعلن رسميًّا بعد.

تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا إلى مستويات غير مسبوقة، بعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو استكمال "خطة الدفاع الوطنية" ضد ما وصفه بـ"التهديدات الأمريكية"، في ظل تحركات بحرية وجوية أمريكية واسعة قرب سواحل كاراكاس.
وبينما تصف واشنطن عملياتها بأنها "حملة لمكافحة المخدرات"، يرى مادورو أنها تمهيد لعملية تغيير نظام بالقوة، مستحضراً ذاكرة الانقلابات الأمريكية في أمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي، وفق صحيفة "يوراسيان تايمز".
أعلن مادورو في خطاب عبر "تلغرام"، أن بلاده "أكملت جميع مناطق الدفاع المتكاملة" وأطلقت مناورات ضخمة حملت اسم "الاستقلال 200"، بمشاركة الجيش والشرطة والميليشيات المدنية.
وبثّ التلفزيون الرسمي مشاهد لقوات تغادر ثكناتها ليلاً نحو مواقع حدودية، في استعراض رمزي للجاهزية العسكرية؛ لكن خلف هذه العروض الميدانية، تختبئ أزمة جيوسياسية أعمق بين واشنطن وخصمها الاشتراكي اللدود.
صراع النفوذ
بدأت الأزمة تتصاعد منذ سبتمبر الماضي عندما شنت القوات الأمريكية ست ضربات بحرية على زوارق يُعتقد أنها تنقل المخدرات من فنزويلا إلى الولايات المتحدة؛ ما أدى إلى مقتل 27 شخصًا على الأقل.
غياب الأدلة
ورغم وصف البيت الأبيض هذه الضربات بأنها جزء من عملية إقليمية ضد شبكات الكارتل، فإن غياب الأدلة على تورط الحكومة الفنزويلية أثار اتهامات بانتهاك القانون الدولي.
تقارير أمريكية من شبكتي CBS وNBC أشارت إلى أن بعض الناجين من إحدى الغارات أُسروا على متن سفينة حربية أمريكية، في وقت رفضت فيه وزارة الدفاع تقديم أي تفاصيل حول هوياتهم أو مصيرهم.
ووصف ترامب في مؤتمر صحفي إحدى السفن المستهدفة بأنها "غواصة مخدرات مصممة خصوصًا"، مبررًا التصعيد العسكري بضرورة "قطع شريان التمويل للنظام في كاراكاس".
لكن يرى محللون أن التحرك الأمريكي يحمل أهدافًا أبعد من الحرب على المخدرات؛ فبعد إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، تبنّت واشنطن نهجًا هجوميًّا في نصف الكرة الغربي، يهدف إلى كبح النفوذ الصيني والروسي المتزايد في فنزويلا؛ فالصين تُعدّ المستثمر الأكبر في قطاع النفط الفنزويلي، فيما تواصل موسكو تزويد كاراكاس بأنظمة دفاع جوي وأسلحة متقدمة.
هذا التقاطع بين مكافحة الجريمة العابرة للحدود وصراع القوى العظمى جعل من البحر الكاريبي مسرحًا لتوازنات جديدة تتجاوز المخدرات إلى إعادة رسم النفوذ في أمريكا اللاتينية.
خطر الحرب يلوح في الأفق
ردّ مادورو على التصعيد الأمريكي بإطلاق حملة تعبئة عسكرية غير مسبوقة، حشد خلالها 17 ألف جندي في ولاية تاتشيرا قرب الحدود الكولومبية، محذرًا من أي "عدوان خارجي".
وقال في خطاب ناري: "فنزويلا لن تُخضعها قاذفات بي-52 ولا أساطيل الإمبراطورية".
"خروج آمن" لمادورو
تزامن ذلك مع تحليق قاذفات إستراتيجية أمريكية من طراز B-52 فوق البحر الكاريبي لساعات، في رسالة واضحة بأن واشنطن مستعدة لفرض إرادتها بالقوة.
في المقابل، رفضت نائبة الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز تقارير صحيفة ميامي هيرالد التي تحدثت عن محادثات سرية مع مسؤولين أمريكيين حول "خروج آمن" لمادورو. وقالت بلهجة متحدية: "لا تفاوض مع من يهدد سيادتنا".
لكن خلف الخطاب المتشدد، تُظهر مؤشرات عدة أن النظام الفنزويلي يواجه اختناقًا لإستراتيجيًّا واقتصاديًّا. فالعقوبات الأمريكية المشددة، وانهيار العملة المحلية، وتراجع صادرات النفط، جعلت كاراكاس تعتمد بشكل متزايد على الدعم الروسي والصيني والإيراني.
لذلك، يرى مراقبون أن تلويح ترامب بمهام سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) قد يكون محاولة لدفع مادورو إلى تقديم تنازلات دون الدخول في حرب مباشرة مكلفة للطرفين.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، تتورط دول مجاورة مثل ترينيداد وتوباغو وكولومبيا في تداعيات الأزمة، بعد مقتل مواطنين لها في الغارات الأمريكية الأخيرة؛ حيث عبّر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن "قلقه العميق"، محذرًا من أن تتحول منطقة الكاريبي إلى "حزام نار جديد" في نصف الكرة الغربي.
"سياسة العصا" الأمريكية
تُعيد التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة إلى الأذهان عقيدة مونرو القديمة التي تعتبر أمريكا اللاتينية "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة؛ لكن في نسخة ترامب 2025، تتخذ هذه العقيدة شكلًا أكثر حدة، إذ تُستخدم القوة الصلبة والعمليات الاستخباراتية بدلًا من النفوذ الدبلوماسي.
ورغم أن واشنطن تبرر حملتها بأنها "ضد تهريب المخدرات"، فإن المؤشرات الميدانية والسياسية توحي بأن الهدف الحقيقي هو زعزعة نظام مادورو وإعادة النفوذ الأمريكي إلى منطقة لطالما شكلت مجال نفوذها التاريخي.
في المقابل، تراهن فنزويلا على تعبئة قومية لمواجهة ما تعتبره "عدوانًا إمبرياليًّا"، مستفيدة من الإرث المعادي للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية؛ ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يستطيع مادورو الصمود أمام ضغوط اقتصادية وعسكرية متصاعدة، أو أن لعبة "الردع المتبادل" ستنتهي بمواجهة مفتوحة؟
في الوقت الراهن، كل المؤشرات توحي بأن حرب الظل بين واشنطن وكاراكاس بدأت بالفعل، حتى وإن لم تُعلن رسميًّا بعد.