مع الشروق : المنظومة التعليمية والحفاظ على أجيال المستقبل

مع الشروق : المنظومة التعليمية والحفاظ على أجيال المستقبل

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/19

 في مثل هذه الفترة من كل سنة، والعطلة المدرسية على الابواب، ينصب اهتمام العائلات التونسية بطريقة مبالغا فيها على النتائج المدرسية لابنائها. وبالنتيجة، تسود أغلب بيوت التونسيين حالة من التوتر  الذي يتحول الى قلق نفسي وشد عصبي لدى الأطفال.. وعوض أن تكون العطلة المدرسية  مصدر سعادة داخل العائلة يفرح لقدومها الأطفال ويسترد خلالها الأولياء  الانفاس، تتحول عكس ذلك إلى فترة قلق للجميع بما ان عديد الأولياء سيحولونها إلى فرصة لمحاسبة الأبناء عن نتائجهم المدرسية المحققة خلال الثلاثي الأول وما سيتبع ذلك من ضغوطات نفسية مسلطة عليهم ومن تأثيرات خطيرة على نفسياتهم الهشة و تداعيات سلبية على مستقبلهم وعلى المجتمع برمته.
وضع خطير اصبحت تتسبب فيه النتائج الدراسية بشكل خاص والمنظومة التربوية بشكل عام ولم يعد بالامكان السكوت عنه. وبدل أن تكون الدراسة مصدر تطور ورقي إجتماعي واقتصادي تكاد تتحول في بلادنا إلى مصدر قلق وتوتر عام يشمل العائلة والمجتمع والناشئة.  وهو ما يحذر  منه المختصون على غرار المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط، التي قالت في بيان اصدرته مؤخرا أن العائلات التونسية  تولي للتعليم أهمية قصوى قد تصل أحيانا إلى حد التشدد والمبالغة في التضييق على الأبناء، وهو ما يفضي، في كثير من الحالات، إلى نتائج عكسية، وقد يتسبب في مآسٍ عائلية خطيرة تصل أحيانًا إلى حدّ الانتحار أو محاولة الانتحار.
لا يتحمل التلميذ وحده مسؤولية تدهور النتائج المدرسية، وهو ما يجب ان يتفهمه الجميع من اولياء وسلطة اشراف. فالأمر يتعلق بمنظومة تربوية مهترئة طال انتظار إصلاحها أكثر من اللزوم ولم تعد قادرة على تقديم التحصيل العلمي المطلوب للتلميذ ولم يعد بإمكان التلميذ تحملها ومجاراة نسقها الثقيل والمُمل. من ذلك ان مضامين الدروس في مختلف المواد لم تعد تصلح لنوعية التعليم المنشود اليوم، والزمن المدرسي أصبح مُدمرا لاعصاب التلميذ والمربي والولي، وآليات التقييم بالامتحانات لم تتطور وحافظت على أسلوب قديم يعود إلى ستينات القرن الماضي، فضلا عن كثافة المواد وكثرة الكتب والكراسات وتدهور البنى التحتية للمؤسسات التربوية وكثرة عوامل تعطيل الدروس مثل الغيابات والاضرابات والعنف المدرسي .. 
في عديد الدول، عملت السلطات خال الأعوام الأخيرة على تطوير التعليم وتحسين جودته كما وكيفا بطريقة تجعله غير ممل للتلاميذ وتحافظ على توازنهم الذهني والنفسي. وهو ما يجب أن تنتبه إليه الدولة اليوم وخاصة المجلس الأعلى للتربية الذي اوكلت إليه مهمة الإصلاح التربوي. فالأمر يتعلق بالثروة الوطنية الاولى في البلاد وهي الثروة البشرية التي ما انفكت بلادنا تراهن عليها منذ الاستقلال الى اليوم ولا يجب التفريط فيها بسبب بطء الاصلاح التربوي . وهو ما يؤكد ضرورة اخضاع   كل مكونات المنظومة التربوية الى  معالجة جذرية عاجلة يقع خلالها التحلي بالجرأة والشجاعة لوضع حدّ للمكونات السابقة التي لم تعد تقدم اية إضافة لأبنائنا التلاميذ وتتسبب في حالة من التوتر والقلق داخل العائلة ولدى التلاميذ أنفسهم..
أن إصلاح المنظومة التربوية ليس مجرد إصلاح قطاعي يؤدي إلى تطوير التدريس والمؤسسات التربوية ويستفيد منه التلاميذ فقط بل هو إصلاح  شامل ستجني ثماره البلاد برمتها مستقبلا، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا.. إنه إصلاح مجتمعي وإصلاح اقتصادي وإصلاح تنموي لان أجيال التلاميذ المتعاقبة على المؤسسات التربوية ستكون نفسها الأجيال المستقبلية التي  ستمسك في قادم السنوات بمفاتيح النمو والتطور في البلاد في مختلف القطاعات ومن الضروري اعدادها لتحمل المسؤولية من خلال تعليم متطور وراق ينتج شبابا متوازنا ذهنيا ونفسيا..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك