مجموعة "أنت خلاصة عمري " لنور الدين بن بلقاسم (2\3): في البحث عن القيم النبيلة!

مجموعة "أنت خلاصة عمري " لنور الدين بن بلقاسم (2\3): في البحث عن القيم النبيلة!

تاريخ النشر : 13:27 - 2021/01/16

بدا الكاتب يوسف عبد العاطي الجزء الأول من هذه الدراسة بالتقديم الشكلي لمجموعة نصوص المؤلف نور الدين بن بلقاسم ويواصل في هذا الجزء الثاني قراءة المجموعة ليقول: 
" و الانطلاق سيكون حتمًا من عنوان المجموعة، الذي جاء في صياغة أمر: ( أنتَ خُلاصةُ عمري) و كأنه كان يدفع القارئ أو يوهمه بأنه أمام مجموعة قصصية هي تتويج لعصارة و خلاصة أفضل ما أنتجه الكاتب ، طيلة كل هذه العقود من التجارب و الإنتاج. بينما نجد مفهومًا آخر و مغايرًا لهذا التوجه بالعودة إلى النصوص القصصية المضمنة بين دفتي الكتاب، و التي تم اختيار العنوان من جمل سردها. حيث نقرأ :                                                                           "... لقد جئتني يا ولدي على شوق، أنجبتك بعد عديد البنات، و كانت نساء الأقارب ينعتنني- لإغاظتي- ب " أم البنات " ، و كان ذلك يحزّ في قلبي، فلما ولدتك تجلّت غمّتي، و ذهبت كُربتي، و كرست حياتي لتربيتك و تعليمك، حتى صرْتُ كما أردتُ… أنت يا ولدي ذخري ورصيدي الذي جمعتُه في حياتي… أنتَ يا ولدي خُلاصةُ عُمْري!… «  ( ص:57)
و أظن أن عنوان المجموعة تم استلهامه من هذه الفقرة الأخيرة في قصة تحمل نفس عنوان المجموعة. و يلاحظ القارئ معي أن مقاصد هذه الجمل كانت بعيدة كل البعد عن التأويل الأول الذي ذهبت إليه في قراءتي للعنوان. و لا أريد أن أكون جازمًا في مواقفي لأن التأويل سيختلف حتمًا من قارئ إلى آخر. و أرى أن إرفاق نفس هذه الفقرة في الغلاف الأخير من الكتاب ، يزيد القارئ شغفًا للبحث عن تأويلاتها الدقيقة و ذلك قصد التوصل إلى اختيار المسلك الصحيح في فهم بعض مقاصد الكتابة القصصية لدى نورالدين بن بلقاسم. فهل يمكن التسليم بأن نصوص المجموعة كانت حقيقة ثمرة أفضل ما أبدع الكاتب في هذا الجنس من الكتابة؟ و هل من المفيد الانصياع إلى فكرة أن النص الذي حمل عنوان المجموعة ، يبقى أفضل و أبلغ النصوص فيها ؟ و هل من العدل إخضاع كل القصص إلى مقاصد الفقرة التي نشرتفي الغلاف الأخير للكتاب؟                                               و مواصلة للتركيز على العتبات، أرى أنه من المفيد التوقف عند الفقرة الأولى و الأخيرة من المجموعة، علّنا نحصل بذلك على مفاتيح وإضاءات تساعد القارئ على فتح مغالق بعض التأويلات التي تساعد على الفهم الأسلم لمقاصد القصص، و التي جاء أغلبها في أسلوب قابل لتأويلات عديدة و مختلفة، تصل في بعض الأحيان إلى درجة الغموض ، أو الحكمة الأخلاقية.
حملت القصة الأولى من المجموعة، عنوان ( غروب زمن الرجال) و انطلق السرد فيها كما يلي:  " في ساحة المدينة العامّة وقف جمع غفير من النساء وجها لوجه مع جمع غفير من الرجال، و كان يقود جمع الرجال رجل طويل القامة، تبدو عليه المهابة، و على ملامحه يطفو حزن و ألم، و قد وقف مع جمعه يستمع لخبطة زعيمة النساء و هي تقو: "  أيتها النساء استمعن إليّ فقد أشرف زمانكنّ و غرب زمان الرّجال…! "  ( ص: 11)
وجاء السرد القصصي ليحدثنا عن صراع الرجال مع النساء بحثًا عن الشهامة و القيم النبيلة قصد التوصل إلى بناء مجتمع سوي ومتوازن قادر على رفض الاستغلال الذي يمارسه أصحاب السلطة بصفة عامة.
أما الفقرة قبل الأخيرة من المجموعة فجاء فيها: "...  فلا مهرب لي و لك- و نحن أخوان من أب واحدٍ و من منهج واحدٍ - من أن نبني جسور التواصل و التّعاون ، و ذلك يكون بالإقلاع عن الفتن و إدامة المحن، "  (ص:207)
ويلاحظ القارئ معي و من خلال الحديث عن بداية السرد في مستهل المجموعة، و في آخرها، أن الكاتب كان يبحث دومًا عن المثالية والقيم النبيلة، التي يشعر أنها فقدت في هذه الأيام، و هو اختيار لا يمكن أبدًا مناقشة الكاتب فيه، لكن أظن أنه من حقنا كقراء البحث داخل طيات هذه القصص عن المبررات الفنية التي استعملها الكاتب حتى لا يسقط في فخ الخطابة المجانية. و هذا مبحث أرى أنه يتطلب لوحده مساحة أكبر، لذلك أكتفي بالإشارة إليه، على أمل العودة إليه في مناسبة قادمة. 
وفي نفس هذا السياق وكملاحظة أولية، لا تفوتني الإشارة إلى استفحال تسلّط الكاتب على شخصياته القصصة، حيث أنني شعرت في أكثر من موقع ومناسبة بأن الأفكار والمواقف المعلنة في النصوص لم تكن في حقيقة الأمر إلا انعكاسًا لآراء الكاتب، وذلك لغياب المبررات الفنية الكفيلة بإقناع القارئ بأنها حقيقة مواقف تهم تلك الشخصيات الحدثية في القصة. فمن وجهة نظري أرى أن الشخصيات الحدثية التي تحمل مواقف قطعية، لا بد لها أن تكون مكتملة الملامح، وهذا ما لا يتوفر دائمًا. 
ولأنني غالبًا ما أتشيّع إلى الدفاع عن الحرية بصفة عامة لحظة الكتابة، وحق الكاتب المطلق في نحت ملامح شخصيات نصوصه، واختيار تقنياته الأدبية، تجدني أيضًا من أول المطالبين بمنح القارئ مطلق الحرية في استنتاج المقاصد والتأويلات التي يتوصل إليها، دون وصاية من أحد، بما في ذلك السلطة التي يحاول الكاتب امتلاكها بصفته المكون الرئيسي للنص.
فرغم هذه السلطة المعنوية التي تمنح للكاتب، أرى أن النص الأدبي يحمل مقوماته وأهدافه بما تمتلكه من فنيات، وعليها تقديم جميع الإيضاحات الممكنة والمطلوبة من القارئ دون اللجوء إلى توضيحات الكاتب وثقافته وأيديولوجيته، لأن النص باق وحمّال لعدة معاني، بينما الكاتب ذاهب إلى زوال. أي أن النص يصبح ملكًا للقارئ بمجرد نشره. 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

احتضنت قاعة الأفراح بمقرين  بولاية بن عروس من العاشرة صباحا عرضا فولكلوريا بعنوان  "مراحيل" من ال
12:37 - 2024/05/11
- قل: هو عالم بذلك، وذو علم، وعليم به، ومتبحر فيه، وذو تبحر، وخبير به، وواسع الاطلاع عليه؛ ولا تق
10:41 - 2024/05/11
يوم 4 ماي 2024 وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وببادرة من منتدى مقاصد وتنسيقية الصحفيين وباش
10:41 - 2024/05/11
بلقاسم بوقنة هو مطرب تونسي أصيل بلدة دوز...اشتغل مدرسا بالتعليم الابتدائي،وقد برز بأغانيه التراثي
10:41 - 2024/05/11
رحم الله ...أكبر وأجمل وأروع  وأصفى وانقى وأرقى فنان في تونس....فلقد توفي بلقاسم بوقنة في صمت وهو
10:41 - 2024/05/11