كورونا في تونس.. عندما تجرم الدولة في حق شعبها

كورونا في تونس.. عندما تجرم الدولة في حق شعبها

تاريخ النشر : 12:39 - 2020/10/04

بقلم ريم بالخذيري *
سجّلت تونس أعلى معدل إصابة يومي منذ تفشي فيروس كوفيد-19 داخلها وهو 1308 إصابة يوم 30 سبتمبر الماضي، رقم مفزع ماهو إلا نتيجة سياسة متخاذلة لدولة أعمى التناحر على السلطة والنفوذ مسؤوليها عن إدراك حجم الخطر الذي يحيط بالتونسيين، ام تراهم تعاموا عن إدراكه تاركين الأمور تسير في مجرى التصفية الطبيعية خلال أزمة كشفت العجز المهول والمفجع لدولة متراخية عجزت عن إدارة مواردها وتوظيفها لحماية شعبها.
خلال شهر سبتمبر وحده تم تسجيل 416 إصابة داخل المؤسسات التربوية خلال 15 يوما فقط من عودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة دون أن تكون هناك أي إجراءات وقائية صارمة لمنع انتشار العدوى في صفوف المؤسسة التربوية، كما بدأ الجيش الأبيض من ممرضين وأطباء وإطارات شبه طبية في التساقط بسبب الفيروس اللعين أولا وبسبب عدم وجود أبسط أبجديات الوقاية والحماية لمن يعملون في الخط الأول للحرب على الفيروس.
تونس اليوم لا يملك فيها أي طرف مسؤولية أخذ قرار جدي وحازم للتصدي للتفشي المرعب لفيروس انهارت أمامه أعتى الدول وأكثرها غنى وتقدما، فما بالك بدولة يعاني شعبها الأمرين خلال الأيام العادية للحصول على العلاج والرعاية الصحية، لتأتي الجائحة وتكشف عن فداحة الخراب الذي تتوارثه المنظومة العمومية وتبدأ نذر الموت في الاقتراب بسرعة رهيبة من كل التونسيين.
يوم1 اكتوبر  تظاهر عشرات الممرضين والأطباء أمام مقر وزارة الصحة بالعاصمة احتجاجا على نقص المعدات الوقائية لدى تعاملهم مع المرضى، صيحة فزع يطلقها خط الدفاع الأول ضد الفيروس أتت بعد أن ثبت الغياب الكي للدولة برئيسها وحكومتها ومؤسساتها عن الساحة والإكتفاء بتصريحات جوفاء لحث المواطنين على التباعد الإجتماعي وارتداء الكمامات وهي نصائح أصبحت عقيمة تقريبا، وفي مقام الثرثرة غير المجدية وذلك لسببين على الأقلّ: أنّ الكثير من المواطنين لا يعملون بهذه النّصائح من أصله، وأنّ البعض منها غير عملي من أساسه بسبب الزحام في وسائل النّقل والمستشفيات ومصالح البريد والأسواق الخ.. ثانيا بسبب غياب أيّ نتيجة ملموسة لهذه النّصائح من أساسه على أرض الواقع بل إنّ العكس تماما هو الذي يحصل حيث أصبحت تونس من البلدان الأوائل في العالم من حيث سرعة انتشار الوباء وحصده للضحايا.
والنتيجة.. كارثية من قبل حتى فيروس كوفيد فما بالك بالوضعية الحالية التي ستؤدي لحصاد آلاف الأرواح.
النقص الفادح وإلى حدّ هذه اللحظة في العشرات من الأدوية الرئيسيّة والأساسية والتي تهمّ الصحة بل الحياة المباشرة للمواطنين: أدوية ضغط الدم والسكري والكوليستيرول والقلب والصرع وتخثر الدم والجلطات الدماغية الخ، والذي قد تسبب في وفاة بعض هؤلاء المرضى وسوف يتسبب في نقص أمل الحياة للبعض الآخر..حلقة عدمية أصبح يدور فيها الممرضون والأطباء لعجزهم عن تلافي مثل هذه الحالات التي ازدادات سوءا بازدياد حالات المصابين الحرجة التي أصبحت المستشفيات عاجزة عن استيعابهم وقريبا سيظطر الإطار الطبي لاختيار من سيوضع على الأجهزة الطبية ومن سيترك لقضائه المحتوم.
.
غياب أبسط المعدّات الطبية في المستشفيات، وهذا يشمل المحرار أو لوحة خفض اللسان القابلة للرمي من أجل أدنى الفحوصات على الإطلاق ألا وهو فحص الحنجرة، هذا دون الحديث عن كارثة أكبر وهي افتقار  المستشفيات والمستوصفات ومراكز الرعاية الصحية خاصة في المناطق الداخلية عموما إلى بنية تحتية سليمة وملائمة للعمل وهو ما يجعل العمل في هذه المؤسسات بمثابة المغامرة الحياتية اليومية سواء بالنسبة للمريض أو للإطار الصحي على حدّ سواء
بإمكانكم أن تتخيّلوا النتيجة بمفردكم خاصة وأنّ المستشفيات العمومية ومثلما أشرنا سابقا لأيّ معيار من معايير طاقة الاستيعاب أو الفرز أو عدد أقصى من المرضى الخ ، بل إنّ الغالبية القصوى من هذه المستشفيات هي فعلا عبارة عن سوق أسبوعية..

هذه الوضعية الكارثية يقابلها برود غريب من طرف المسؤولين الغارقين في المشاحنات السياسية والمعارك الجانبية حول السلطة وتناسوا أهم معركة تمر بها البلاد وهي معركة الحياة أمما فيروس فتّاك، منعرج خطير تمر به تونس ولا حول ولا قوّة لشعبها أمام المرض والقضاء والقدر وجحود المسؤولين وغرورهم الأعمى.
 

*ناشطة جمعياتية مقيمة بسويسرا

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

العرض العسكري الصيني الأخير هو الأكبر من نوعه لدولة منفردة في العالم المعاصر، كان العرض مزيجا مبه
07:00 - 2025/09/08
في وقت تُرفع فيه أعلام التطبيع في عواصم عربية، وتُستبدل فيه بوصلات الشعوب بمصالح الأنظمة، تتقدّم
11:49 - 2025/09/02
بقلم: صهيب المزريقي كاتب و محلل سياسي  
07:00 - 2025/09/01
كعادته وعادة رئيسه فى التدليس بلا حياء ، كرّر المقاول الصهيوني اليهودي ستيف ويتكوف إدانته الميكان
07:00 - 2025/09/01
بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفترة الأخيرة ، وكأنه يضع قنابل ناسفة تحت سريرتحالف الغرب ال
07:00 - 2025/08/25
بقلم: روضة باقو (صحفية)
07:00 - 2025/08/25