من سايكس بيكو إلى شرق أوسط جديد: مشروع "إسرائيل الكبرى" من حلم إلى استثمار في الضعف العربي

من سايكس بيكو إلى شرق أوسط جديد: مشروع "إسرائيل الكبرى" من حلم إلى استثمار في الضعف العربي

تاريخ النشر : 11:49 - 2025/09/02

في وقت تُرفع فيه أعلام التطبيع في عواصم عربية، وتُستبدل فيه بوصلات الشعوب بمصالح الأنظمة، تتقدّم الخريطة الصهيونية بثبات. لم تعد "إسرائيل الكبرى" مجرد خيال توراتي أو أطروحة أيديولوجية، بل مشروع يُعاد رسم حدوده بدماء العرب وبقايا دولهم المفتّتة.
اليوم، ومع غياب المشروع العربي النهضوي، وانهيار الحدود الأخلاقية والسياسية في عدد من الأقطار، تعود الأسئلة الكبرى إلى الواجهة: هل ما زالت الأمة قادرة على صد هذا المشروع؟ وهل بوسعها أن تُحيي ذاكرتها القومية لرفض الهزيمة؟

أولًا: "إسرائيل الكبرى"... من الأسطورة إلى التخطيط العملي
منذ تأسيسها، لم تُخفِ الحركة الصهيونية أطماعها في امتداد يتجاوز حدود فلسطين. النصوص الأولى لمفكريها، والخرائط التي تداولها قادتها، تؤكد أن هدفهم لم يكن احتلال الأرض فحسب، بل تفكيك المحيط العربي سياسيًا وجغرافيًا واقتصاديًا، بما يجعل "الدولة العبرية" القوة المركزية الوحيدة بين محميات متصارعة.
تنوعت أدوات تنفيذ هذا المشروع وتطوّرت عبر الزمن:
من دعم الحروب الأهلية داخل الدول العربية.
و نشر ثقافة الاستسلام عبر أدوات إعلامية وثقافية ناعمة.
إلى فرض أنظمة تابعة تنفذ السياسات الغربية والصهيونية بأيدٍ عربية.
وصولا استخدام التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني بوصفه بوابة شرعنة الهيمنة.

ثانيًا: الواقع العربي... بيئة مثالية للتمدد الصهيوني
حين يكون العالم العربي ممزقًا على النحو الذي نراه اليوم، تصبح فكرة "إسرائيل الكبرى" أقل غرابة مما تبدو.

فقد أصبح ما كان يُعتبر خطرًا وجوديًا، مقبولًا أو حتى مرحّبًا به في بعض الأوساط الرسمية، حيث يتم التعامل مع الكيان المحتل كشريك في التنمية، وليس كعدو تاريخي غاصب.

بعض الملامح الكاشفة:
تحويل دول عربية إلى ساحات حرب وكالة، كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

تصدّع الهوية القومية لصالح هويات فرعية طائفية أو جهوية أو قبلية.

تطبيع بلا مقابل، لم يخدم سوى تمدد المشروع الصهيوني سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.

شيطنة قوى المقاومة وتشويه الأفكار التحررية العربية في الإعلام والفضاء الأكاديمي.

ثالثًا: في غياب المشروع العربي، تُفرض المشاريع المعادية
إن ما نعيشه اليوم هو نتاج غياب الرؤية العربية النهضوية، وتراجع فكرة الأمة الواحدة، القادرة على تجاوز القُطرية الضيقة والتبعية العمياء.

الفكر القومي، الذي نادى منذ عقود بوحدة المصير والمصلحة، حُوصِر إعلاميًا وسياسيًا، واستُبدل بخطابات فارغة عن "الاستقرار" و"الواقعية"، في وقت تُسرق فيه الأرض، وتُغتال فيه الذاكرة.

لكن الحقيقة الباقية هي أن المشروع الصهيوني لا يمكن مواجهته بمواقف رمادية أو علاقات "إدارة صراع"، بل بمشروع نقيض، يملك وضوحًا فكريًا، وعمقًا شعبيًا، واستعدادًا للثمن.

رابعًا: نحو مشروع نهضوي مقاوم
إن مشروعًا بحجم "إسرائيل الكبرى" لا يُواجه بالخطب ولا بالمبادرات الدبلوماسية، بل بإحياء مشروع تحرري عربي شامل، يعيد الاعتبار لوحدة المصير العربي، ويحرر السياسة من قيود التبعية.

ذلك يتطلب:
استعادة الوعي العربي القومي، في مواجهة الثقافة الاستهلاكية والانتماءات الممزقة.

إعادة بناء جبهة مقاومة عربية، تتجاوز الاصطفافات القُطرية والطائفية.

تحقيق استقلال سياسي واقتصادي، بالتحرر من شروط المانحين وهيمنة الأسواق الغربية.

رفض الأنظمة الوظيفية، التي تبرر الوجود الصهيوني وتحمي حدوده.

خاتمة: الأمة لا تموت... لكنها تُغتال ببطء
قد تبدو خريطة الأمة اليوم محطّمة، وقد يتصدر المشهد سياسيون يُصفّقون للهزيمة، لكن الشعوب لم تمت. لا تزال روح الرفض تعيش في المخيمات، وفي الوعي الجمعي، وفي جبهات المقاومة الصامتة.

وإن كانت "إسرائيل الكبرى" تطمح لأن تكون حقيقة جغرافية، فإننا نُدرك أنها لن تكون أكثر من وهم مؤقت، إذا ما عادت هذه الأمة إلى جوهرها، إلى هويتها الجامعة، إلى مشروعها النهضوي التحرري.

الصراع لا يُحسم على الورق، بل بإرادة الشعوب، وهي لا تزال حيّة، تنتظر من يوحّدها على طريق الحرية والكرامة والسيادة.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

لا أحد عاقل يتوقع أن يعم الهدوء فى المنطقة ، ولا أن تسود اتفاقات «أبراهام» اللعينة إياها ، بل أن
07:00 - 2025/12/22
كلما اتيحت لي فرصة زيارة ولايتي مدنين وتطاوين الا وقمت بزيارة للآثار المتواجدة في الولايتين المذك
07:00 - 2025/12/22
في الحقيقة والواقع كان يوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 يوما تاريخيا فاصلا بين مرحلتين اثنتين لا ثالث
07:00 - 2025/12/22
كان باولو روسي على مشارف الغياب عن كأس العالم 1982 و لكنّ المحكمة خفّفت الحكم الصادر ضدّه من ثلاث
07:00 - 2025/12/21
نظرًا للتفاعل الواسع الذي أثاره هذا الموضوع عقب نشر المقال الأوّل بالعنوان نفسه في جريدة الشروق،
07:00 - 2025/12/21
لم توفق الحكومة في الوصول الى معرفة المكان الذي يوجد به البطل " فاروق" بعد ان فقد عقله، لم تشفع ل
21:17 - 2025/12/20
الحمد لله ربّ العالمين الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه وأيّده بعزيز نصره.
07:00 - 2025/12/19
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق
07:00 - 2025/12/19