مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش

مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/12

لم تعد تلك الهبّات الهستيريّة المنفلتة، المُشوّهة لتونس صادمة. بين حين وآخر تنهال علينا تصريحات وتدوينات، وتعلُو الأبواق من هنا وهناك لتقْذفنا بحجر وتُشوّه البلاد بمن فيها لدى الغريب والعدوّ بحجة الغيرة عليها والخوف من كيد المتربّصين بها!!.
وكم مرة تعالت الأصوات من داخل البلاد وخارجها شامتة شماتة الأعداء في  بعض أزماتنا الاجتماعية أو الاقتصادية  أو حتّى عند انقطاع التيار الكهربائي وتقلّب الطقس. وهؤلاء نجدهم في كلّ مناسبة أو حادثة أو كارثة  كمن إصبعه على الزناد ينتظر التّصويب في كل لحظة ويتأهّب بحقد دفين لإطلاق رصاصته ،يتصدّرون  الشّاشات المضيئة ويُلهبون  شبكات التواصل الاجتماعي.
طبعا  تنتعش من تصريحاتهم المنابر الإعلامية العربية و الأجنبية   ، تهرول إليهم عدسات التصوير ، تُنزّل تصريحاتهم بالخط العريض وتُدوَّرها  دوران الرّحى بلا توقّف  إلاّ  إذا حققت مرادها وحوّلت سمعة البلاد إلى لحم مُقدّد على حبال غسيل الأجنبيّ.
تهدأ العاصفة، يخمدون مثل النّار، لكن عينهم تظل مفتوحة على كلّ كبيرة وصغيرة، في  حالة تأهّب متواصلة  لاقتناص فرصة أخرى أو هفوة أو زلّة أو حادثة لإطلاق ألسنتهم من جديد والإيغال في التّشويه والسبّ والثّلب والتّشهير، ويصبّون  في كل مناسبة جام حقدهم السّياسي الأعمى على هذا الوطن دون تمييز بين تونس كجهاز سياسي وتونس وطنا وهوية وذاكرة وبيئة ثقافية حاضنة لأبنائها.
 من الغباء أنّ هؤلاء "الأبناء الأعداء" لا يفرقون بين الوطن والدّولة، بين جهاز حاكم وسلطة، وبين هذا الامتداد الجغرافي بما يحتويه من مخزون ثقافي، حضاري يمنح هوية  لأبنائه وسمة لشخصيتهم وانتماءً، ويشكّل ذاكرة جمعية مشتركة وإن اختلفت في تفاصيلها. وطبعا هؤلاء يدركون الفارق بين وطن للجميع ودولة حاضنة لنظام تمّ اختياره بإرادة الشّعب.
غير أنّهم يتحركون في منطقة الخصوم السّياسيين، ويتذيلون  في طوابير المعادين وفي قلوبهم مرض، ويعميهم الحقد السياسي فلا يفرقون بين الوطن والدولة وهم يكيلون لها من الدّاخل والخارج القذف والشّتم التهكم والسخرية وتلفيق الاتهامات وفبركة الإشاعة تشفّيا ونكاية وغلاّ.
لم يعد هذا السّقوط القيمي  المدوّي صادما ولا مفاجئا، لمّا تكررت هذه الممارسات المَعيبة والمُشينة، وطالعنا في كل مرة أحد أبناء تونس بلا فرامل ولا مكابح وهو يطلق  فرقعاته  الإعلامية وتصريحاته النّارية ومكائده المُتقنة، يستنجد بالأعداء  ويتحالف معهم  ويستقوي بهم ويتمسّح على عتباتهم لإصدار البيانات واسْتحْلاب التّنديدات، حتّى تكتّلوا وصادقوا الذّئب وأمنوا للضبّاع  وهي تستثمر في صدورهم الموغلة بالحقد وتركب على الأحداث لتحقيق مصالحها ووضع أنفها في شأننا الخاص.
مثل هذه الخيانات تطال تونس الوطن في العمق، لكنّها تُرتكب باسم «الوطنية» والخوف على السّيادة  ومصلحة البلاد وحرية التّعبير والحقّ في المعارضة وغيرها من الشّعارات الفضفاضة، وفي جوهرها حسابات ومصالح مسكونة بهوس السّلطة والحكم والمال ... إنّها وطنية الدّراويش ، تُبيح وضع اليد في يد الشّيطان وتقدّم الوطن هديّة لأجل الفوز بالدّولة الغنيمة.
وحيدة المي
 

تعليقات الفيسبوك