قيادة العقل السياسي أم قيادة القوات المسلحة، سباق حواجز أم وضع حواجز؟

قيادة العقل السياسي أم قيادة القوات المسلحة، سباق حواجز أم وضع حواجز؟

تاريخ النشر : 16:39 - 2021/04/19

بعيدا عن الفصل 17 والفصل 18 والفصل 19 والفصل 78 وعن القوانين الأخرى وعن الدستور القديم وعن الجديد وعن الجدل الدائر حول القوات المسلحة كما تراه أطراف الصراع، وعن النقاش حول طبيعة الدستور الحالي للجمهورية التونسية وظروف إنتاجه وكيفية مراجعته من عدمها وضمن أي سياقات وبأي آليات وضمن أي رؤية ومن أجل أية أهداف وبأي صيغة احتكام وبأي منطق تحكيم، نحن لم نعتقد يوما ولا نعتقد ان تغيير أحوال البلاد والعباد يتم عن طريق النصوص كمجرد نصوص وإنما عن طريق قوة تنفيذ القرارات التي تترجم إرادة الشعب وبقوة الشعب وقوة الدولة وبالتالي بقوة الفعل، وما النصوص إلا شاهد على الضرورة التي شرعتها القوة الشرعية بما هي عقل وبما هي إرادة وبما هي فعل.
 ومع ذلك كله تهمنا الإشارة إلى وجود مشاكل في المفاهيم بالمعنى الفلسفي العام، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالمفاهيم المركبة أو بالعبارات التي تقوم على أكثر من لفظ. لا تسبب المفاهيم مهما كان نوعها في العادة مشكلا في الفهم فهي غالبا إما مبدعة مثل مفهوم/عبارة "روح القوانين" أو عنها أو حولها وإما تكون مبدعة - مستقرة بمعنى استعمالها الواضح أو وظيفتها المحددة أو استخدامها المستقر في إطاره وفي سياقه أو في موضعه مثل مفهوم/عبارة "قوات مسلحة". فنحن هنا لا نتحدث عن مفهوم الوجود عند افلاطون وعند أرسطو والذي يقلب على وجوهه كلها. ولا نتحدث عن الماهية والجوهر والشكل والعرض والهيولة... الخ. إلا إذا أراد الفقهاء تنزيلها منزلة الأداة أو تم تأويلها على غير مفهوم التأويل المتعارف عليه بالأول وبالمعنى والمقصد والرسالة والهدف والغاية ووصل الأمر إلى درجة الخلف والاختلاف والمخالفة الفارقة حول معنى التأويل نفسه أو حتى تأويل التأويل. غير ان المفهوم يتطور ويتجدد ويتفرع ويفكك ويركب ويشتق ويحاكى ويفكر فيه ويصاغ من جديد ويتم إخراجه إخراجا فلسفيا مغايرا في كل مرة تتغير فيه الدوال والمدلولات وطرق المفهمة والاستشكال وأساليب التفكر والتدبير... الخ. فمثلا، يمكن أن يتغير معنى كلمة قوات وبالتالي مفهومها  التطبيقي اذا خرجت عن التقليدية وأصبحت تضم تشكيلات غير بشرية مثل الروبوتات أو أصبحت قوات إلكترونية أو وحدات تكنولوجية... الخ. أو مثلا أصبحت الأسلحة تضم الفيتامينات والبوتوكس والبوتولينوم  وغيرها. غير ان المشكل فيما يقع في تونس ليس هنا فقط وإنما في مفهوم القيادة أيضا وفي كيفية القيادة وفي بروتوكلات القيادة وفي تنظيم هذه القيادة على مستوى الدولة ومستوى توزيع المسؤوليات ومستوى شؤون الحكم وترتيب السلطات وعلاقاتها وهرميتها. وهنا تستحيل القضية قضية فهم أكثر من كونها قصة مفهوم وقضية سياسة أكثر من كونها قصة علم وفلسفة ورواية سلوك سياسي أكثر من كونها مروية سياسة ومن ثم قضية نظام سياسي أكثر من كونها بنية وهيكلة وسلسلة سياسات، وبالتالي قضية سلطة أكثر من كونها قضية دساتير وقوانين ونصوص، وأخيرا قضية أفعال لا قضية أقوال. 
نقول نصنف ونصفف المحاكم العسكرية والمدنية أو القضاء العسكري والقضاء العدلي وألعاب القوى الجماعية والفردية مثل الوثب والقفز وسباقات الحواجز. ونقول الفنون القتالية العسكرية والأمنية والرياضية المدنية. ونتحدث عن الطاقة النووية السلمية والعسكرية. وتوجد الأكاديميات العسكرية والمدنية وكذلك علوم الأمن والدفاع الدولتية أو الرسمية والمدنية وخطط الحرب ودراسات الحرب والعلوم العسكرية العسكرية والصناعات العسكرية والتحليل الأمني والعسكري والنخبة الفكرية والثقافية وقوات النخبة. والجيوش وقوات الأمن والقوات شبه العسكرية والجغرافيا العسكرية والجغرافيا السياسية والاقتصاد العسكري والاقتصاد السياسي. والثكنات والاليات العسكرية وحفظ الحدود والمناورات والقواعد ونجد الأمن الداخلي وتنظيم المدينة وحفظ النظام  وبالقوات الحاملة للسلاح لإنفاذ القانون... الخ. لا يغني ذلك عن تداخل وتشابك وتعقد كل هذه الأمور في عالم اليوم، إلا أن ذلك لا ينسف ما هو متعارف عليه في كل عقل وفي كل بلد. 
إن بعض النقاشات التي تخاض حول ما يجري في البلد قد تجعل البعض في يوم ما ضحايا صدمة كبيرة. ولذا فمن الأفضل للجميع أن يفكروا في كيفية التصدي لانهيار البلد لا قدر الله بدل خزعبلات الاصطفاف القطعاني على طريقة فيراجات حلبة التوحش. أما عن القوات المسلحة فمهمتها الحفاظ على سيادة البلد أمام الاختراقات الصهيونية المنتظمة وأمام التبعية متعددة الأطراف. وهذا هو فورا ما يجب أن نتفق عليه ونمارسه. فلا عقل سياسي يقود البتة دون هذه الروح ولا عقيدة مستقرة وقابلة لتجاوز كل انهيارات الطبقة السياسية الحاكمة التي انتجها نكد الدهر غير هذا. فمن وجهة نظرنا كل الشهداء شهداء سياسة التبعية والاستعمار التي أتت بالإرهاب والجريمة والفساد، شهداء القوات المسلحة والقوات الحاملة للسلاح وغيرهما.

إننا نخشى اقتياد بلدنا وشعبنا المستمر نحو الهاوية مهما كانت نوايانا. ففي عالم اليوم توجد سياسة قارة تقوم على ضرب الأطراف ببعضها وسط حماسة الجماهير إلى الهاوية، وحيث تكون أولوية القوى المعادية انهيار الوضع الداخلي وسحق كل ضرورات الدفاع عن الأمن القومي. عدة قوى استعمارية ووكلاء حجزت مكانها في بلدنا. وعلى ذلك فإن جل أساسات مقاومة التبعية والتطبيع والإخضاع والتخلف والتفقير والازمات الصحية والمالية والاجتماعية والمآزق السياسية تكاد تكون مضروبة بالكامل، عدا بعض الإرادات الضعيفة التي تعوي لوحدها في الصحراء. 
خلا ذلك يصبح كل ما أنتج منذ وفاة رئيس الجمهورية السابق جزءا من اللعبة المحلية والإقليمية والدولية التي صيغت آخر فترة الانتخابات ويصبح انتاج هذا النظام كله باطلا وغير شرعي ولا نستغرب في يوم من الأيام انهيار كل مستور. وعليه، فإن كل اتجاه في السياسة مشروع إذا ما سار في نهج وطني سيادي هدفه التنافس والتسابق لرفع الحواجز والبناء لا لوضع الحواجز والهدم. وانها رسالة إلى غالبية شعبنا المحروم أكثر وأهم من كل الأطراف المتصارعة والوسائل التي تعتمدها، حيث تبقى كل الحلول ممكنة شعبيا وثوريا ضمن شرط هزم الخراب والانتصار للبناء لا عكسه.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف (مصر) كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية
09:16 - 2024/04/15
ذكرى تونسة الأمن  هي ذكرى خالدة وعزيزة على كل التونسيين، تضاف إلى الذكريات الوطنية الأخرى في تونس
07:00 - 2024/04/14
بحسب رأيي وفي الوقت الحالي وأمام أهوال ما بلغه العدوان الصهيوني على شعبنا وأراضينا الفلسطينية الم
23:29 - 2024/04/10
قال: لولا التقلبات السياسية في أوروبا والتهديدات الألمانية لفرنسا سنة 1938 لتم الحكم على الزعيم ب
07:00 - 2024/04/08
لوقت غير بعيد و تحديدا ما قبل سنة 2011 كانت السياحة في تونس أول مموّل للمالية العمومية من العملة
07:00 - 2024/04/08