إلى فقهاء الفساد واحتكار الماء والدواء ومواد البناء، "الإحتكار من شيمة الفجار"

إلى فقهاء الفساد واحتكار الماء والدواء ومواد البناء، "الإحتكار من شيمة الفجار"

تاريخ النشر : 17:03 - 2021/08/29

يقول نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام: "لا ‏يحتكر إلا الخوانون". ولا حاجة هنا لتفسير الخيانة، ولا حاجة قبل ذلك لتفسير الفجور. ويقول: "يحشر ‏الحكارون وقتلة الأنفس إلى جهنم في ‏درجة"، أي معا في درجة واحدة، لأن الإحتكار وهو فساد كبير وفضلا عن كونه تحيل ونصب وسرقة ونهب، هو تنكيل بالناس وتعذيب لهم وحرمان وظلم وتعد صارخ على حياتهم وقوتهم وارزاقهم. وهذا ليس استخداما للدين في حرب دينية أبدا كما يمكن أن يدعي البعض وإنما للرد على فتاوى بعض الناس التبريرية ومحاولات تمييع القضية ولغلق باب تزوير العقول والاتجار بالقيم بإسم العقيدة والقواعد الدينية وإنارة بعض الناس الذين تم التلاعب بهم نفاقا وبهتانا وربما اقحموا في هذه الظلمات وربما لم يسمعوا يوما مثل هذه الأحاديث في بيوت الله ولا في المدارس ولا في الاعلام عن طريق العلماء وغير العلماء. 
أما في المستوى السياسي فهذا دليل آخر على محاولات احتكار الديمقراطية الفاسدة المغشوشة وتقاسم أدوار واطوار وأهوال الجريمة بين بعض أهل المال والأعمال والسياسة، ونؤكد على لفظ بعض لأنه لا يجب على أحد أن يخوض مع الخائضين في المطلق. وأما في المستوى القانوني فإن مؤسسات الدولة لا مؤسسات الفساد هي المسؤولة لوحدها طبق القانون عن وقف هذه الجرائم الكبرى التي لا تفسد السياسة فقط وإنما تفسد الاقتصاد والمعيشة والأخلاق وتهدد أمن البلاد وكيان الدولة ولا فائدة هنا من زيادة الحديث فكل شيء واضح تماما، من تشريع الفساد إلى تنفيذ السياسات الفاسدة إلى حماية الفساد وتنميته باستخدام كل وسائل السلطة الأمنية والسياسية والقضائية والإعلامية والثقافية وغير ذلك وكل هذا يجب أن يتغير في أوانه. 
نأتي الآن مجددا إلى قصة الديمقراطية الوظيفية وما ادراك ما الديمقراطية للرد على فيروس الخوف على الديمقراطية الليبرالية المزعومة وقصص التشاركية الترفيهية الموهومة وقصص الاستعلاء المدني والسياسي على عامة الشعب وما شابه من ثقافة الاستعمار. أما ثقافة التحرر الوطني فهي ترك المجال لانقاذ البلد فإذا فشل القائمون عليه أو تعثروا تعثرا مضرا حتى قبل الفشل فالواجب الخروج الحاسم لاسقاطهم. ونقطة على آخر السطر. هاهنا نقارب الموضوع من زاوية وحيدة جزئية ولكنها الأهم حسب رأينا خاصة في الوقت الحاضر. ونقصد جزءا مما يسمى منظمات غير حكومية ومجتمع مدني. 
تقوم فلسفة هذا النوع من النشاط تاريخيا وهو ما وقع في الهند وفي أميركا اللاتينية وفي افريقيا وفي شرق أوروبا وفي غرب آسيا وغير مكان، تقوم على استراتيجية مركبة من ثلاثة أهداف كبرى وغاية نهائية جامعة.
 الهدف الأول هو "مسح الخراب" الذي تخلفه الحروب والفتن والتدخلات الخارجية بضخ أموال ضخمة لإقناع الناس برسالة الاستعمار المزعومة في نشر السلام والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وإنقاذ الحياة والبشر وما إلى ذلك. ومحاولة دفع الناس إلى الإيمان بأن الليبرالية المتوحشة الجديدة هي سبيل خلاص الإنسانية وهي دين وعبادة ونهاية للتاريخ وان النضال أصلا لا يقوم الا بالأموال ووسائل الإعلام وصناعة الرموز الكرتونية وغير ذلك. وبطبيعة الحال مسح الخراب الحاصل هذا يكون قبل ايقاعه حينا وبعد حصوله حينا آخر وبنفس الأدوات والعقلية والأهداف.
 الهدف الثاني هو إجبار الشعوب على اتباع منهج الوساطة بين المجتمع والدولة وتفويض الأمر لهؤلاء الوسطاء المدعومين دائما من الخارج للإشراف على الضغط والتفاوض والتصعيد والاسقاط والاخضاع ورسم السياسات واختيار الحكام. .. وهكذا. 
والهدف الثالث هو منع الشعوب من المقاومة السياسية والمدنية وتعجيزها ومنع التغيير  وتسقيط كل القوى لإفشال الكفاح والنضال من جهة وشراء ذمم من يسقط واستخدامه سوطا وقهرا جاثما على الأوطان والشعوب والدول وتحويل المقاومة إلى حرفة أو مهنة مدفوعة الأجر وفق برامج مسطرة.
 وعند ذلك الوقت تتوجب مقاومة هذه المنظومات برمتها وعلى رأسها المنظومة السياسية الفاسدة وخاصة منها الطبقة السياسية الحاكمة والتي شاركت في الحكم وأحيانا أصناف من المعارضة أيضا. وأما الغاية الكبرى نهاية فهي فرض نموذج تبعية للخارج على كل المستويات وفي كل المجالات وتحقيق أقصى ما يمكن من مصالح وأرباح بحفنة من نخب الخيانة والغدر والاستعمار مقابل تركيع وتجويع وترويع وتطويع الغالبية المسحوقة وفصلها عن حقيقة قضاياها. 
نظن ان الأمور تتضح تقدما وتدريجيا ولا يهم هنا نسق الخطى سريعة أو بطيئة وإنما قياس ذلك بالأهداف الوطنية السيادية الكبرى وبطريقة التصرف العام ومسارات العدالة دون مظالم أو بالحد الأدنى من التجاوز الذي يمكن أن يحصل في كل حين، وبالنظر إلى المآلات والغايات.
 وإن مثل هذه الطريق لا تستقيم مع التسرع ولا مع الضجيج ولا مع عادات الثرثرة المكتسبة التي تهيمن على سلوكيات البعض وكأنهم إذا لم يتكلموا عن الديمقراطية ضاعت أو انتهت أو ملوا وجودهم في شكل من أشكال القلق النفسي الديمقراطي لا نود توصيفه أكثر. غير ان جانبا خطيرا منه يتعلق بالأمن خصوصا وبالذات الأمن الخارجي يستحق دعوة القائمين على حالة الاستثناء لإيجاد الحلول المناسبة للتعامل الآمن مع قضية استقاء المعلومات الموجهة من شهوات وألعاب حرب الميليشيات ومختلف أنواع وميادين الرماديات الافتراضية والواقعية قبليا وسياسيا وميليشياويا ومخابراتيا وهو أمر يجب أن يتوقف فورا، فالموقف السياسي شيء وتقدير الموقف الأمني شيء آخر تماما والحرب المركبة على التبعية ومصادر الإرهاب والفساد والتطبيع في الداخل ومن الخارج ليست أمرا هينا ولا يجب أن تكون أمرا مشاعا على قارعة الطريق.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

هِي الأمُّ لَها؛ بِهذا التشبيهِ البليغِ نقاربهما؛ علّنَا نفهم هذا التلاحم بين فلسطين وتونس ...
07:00 - 2025/06/18
رواية "مدينة النساء" هذا العمل الذي إنتشر في العالم فترجم الى لغات مختلفة وحقق مبيعات قياسية في م
20:04 - 2025/06/16
"أحبها بلا ذاكرة" هو عنوان الرواية الخامسة في مسيرة الأمين السعيدي الادبية.
22:14 - 2025/06/09
صارت أسعار التنّ المصنّع والمعلّب في تونس مشطّة إلى حدّ بعيد مع جودة متدنيّة إذ ما يصبّر في هذه ا
07:00 - 2025/06/09
حين الإنجازات في الخمسين سنة الماضية كانت حاضرة في خطاب السيد عميد كلية الطب بصفاقس كما جاء على ل
07:00 - 2025/06/09
في الوقت الذي تتضاعف فيه الإبادة الوحشية الجماعية في غزة وحشية وعنجهية زادت الهم الفلسطيني غما عل
07:00 - 2025/06/09
(أحمد الشقيري أول ديكولونيالي عربي يجيب)
07:00 - 2025/06/09