بورتريه: إمانويل ماكرون.. قدر فرنسا

بورتريه: إمانويل ماكرون.. قدر فرنسا

تاريخ النشر : 12:20 - 2025/10/08

 يجسد الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون حالة إنفصام رهيب في الشخصية بخطابه المشدود إلى عظمة الإمبراطورية وأفعاله التي قذفت بالفرنسيين إلى حضيض  العالم الثالث. 
 هو بكل المقاييس  مصيبة فرنسا وقدرها المحتوم بعد أن أكل خمس حكومات في عام واحد وحلّ الجمعية الوطنية (البرلمان)في مناسبتين لمجرد أن يبقى رئيسا يتحصن بقصر الإليزي فيما الساحة السياسية تغرق في العكاظيات مثلما غرقت فرنسا في الديون التي تجاوزت عتبة 3300 مليار يورو مرغمة الحكومات على مطاردة معادلة مستحيلة بعد أن تصحرت الصناعة وأغلقت إفريقيا أبوابها أمام فرنسا وصارت خدمة الدين قاسية على الطبقة الوسطى المرغمة على الإكتفاء بوجبة يتيمة في اليوم مغمّسة بالمرارة ومشتعلة بنار الحيرة والقلق والشك فالأفق صار أضيق من خرم إبرة. 
 فرنسا تحتاج على الفور من يتعهد بإقراضها تريليون يورو على خمس سنوات (200 مليار يورو كل عام) حتى تتمكن من سداد أقساط القروض وتتفادى دوامة «نادي باريس» لجدولة الديون فيما الشارع الفرنسي صار متيقنا أن العام القادم سيكون قطعا «عام الجوع». 
لكن ماكرون لا يعبأ بكل هذا السخط والألم فالرجل قابع على كرسيه في قلب حدائق الإليزيه يضرب أخماله في أسداسه كيف يدفع بالحياة السياسية إلى حافة الإنحصار تلو الإنحصار حتى يكسب مزيدا من الوقت أو يلهي شعبه المصدوم بافتعال العظمة عبر إقحام أنفه في صراعات وقضايا أكبر بكثير من قدرات فرنسا التي لم تعد تملك لا القوة العسكرية ولا المال حتى تردع الدب الروسي أو تكسر شوكة الجزائر أو تزعج حتى دول الساحل الإفريقي التي تعمدت إذلال فرنسا بطرد جيوشها. 
 وفي الواقع تحصد فرنسا ما زرعته من أحقاد في مستعمراتها السابقة زاد في إشعالها الرئيس إمانويل ماكرون بإمعانه في المثابرة ومصارعة عجلة التاريخ التي لا ترحم لأنه عالق في شراك «آل روتشيلد» الذين استخدموه موظفا في أحد بنوكهم قبل أن يعطوه رقاب الفرنسيين الذين قهرهم بشتى أساليب الإستبداد الناعم المسنود  بخراطيم  المياه الساخنة والغاز المسيل للدموع. 
 وبالنتيجة تجسد حقبة ماكرون التي لا يبدو أنها ستنتهي بسلام ذروة التصادم بين «فرنسا الفرنسية» وفرنسا المتصهينة إلى الدفاع التي تورطت أكثر من اللزوم في مشروع «الصهيونية العالمية» الذي أصبح العدو المشترك للبشرية قاطبة بعد أن ذابت مساحيقه وتكشفت عقيدته المتوحشة المستعدية للقيم الإنسانية الأصيلة والقائمة على ثنائية « الدم بلا حساب والمال بأي شكل» وذلك تحت ضغط الصمود الإعجازي للشعب الفلسطيني الذي صاغ بدماء أبنائه الزكية معالم الطريق إلى عالم مختلف سيعيد للحضارة الإنسانية بريقها وقدرتها على صون قواعد العيش المشترك مثلما سيقذف إلى محرقة التاريخ بكل الكيانات التي لم تقدر على إلتقاط رسائل التاريخ. 

 وعلى هذا الأساس لم يستوعب إمانويل ماكرون كل الورقات الصفراء التي صادفها في طريقه مجسدا صورة «الحمار الذي يحمل أسفارا» فقد أجلسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طرف طاولة عملاقة مثلما نبهه الرئيس قيس سعيد في آخر قمة إفريقية فرنسية أن «الشعوب الصغيرة لم تعد صغيرة» لعله يدرك أن مصالح شعبه تفرض تفادي التصادم مع قطار العالم الجديد الماضي في طريقه بثبات معبرا عن توق إنساني جارف لتحطيم أغلال العبودية وفسخ كل التداعيات المدمرة لطبيعة  البشر وأسس التوازن على كوكب الأرض التي أفرزها بناء المشروع الصهيوني بالخداع والترهيب على امتداد خمسة قرون من الزمن. 
 ومن هذه الزاوية بالذات يمكن فهم جذور وأبعاد الأزمة الفرنسية التي تتجاوز بكثير مجرد وفاق سياسي  صعب المنال لتعبر عن مأزق حضاري وشرخ ثقافي عميق يعودان بالأساس إلى تآكل أسس الهوية الوطنية بسبب تفشي الفيروس الصهيوني الذي تعود  جذوره إلى حقبة «بونبارت» الذي كان أول من يطلق الوعد بإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين منذ نهاية القرن الثامن عشر والإبادة الجماعية التي مارستها الجمهورية الرابعة في الجزائر بلد المليون شهيد فالإبادة الجماعية تشكل القاسم المشترك الأول للكيانات التي تزعمت بناء «الصهوينة العالمية» وهي كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب رأس الحربة إسرائيل. 
 ومن ثمة كان دخول ماكرون إلى قصر الإليزي تتويجا لمسار كامل من الصهينة سرعان ما دخل في تصادم حتمي مع عجلة التاريخ أو بالأحرى  مع سياق تصحيح التاريخ الذي سيجرف حتما كل الكيانات التي تورطت أكثر من اللزوم في الإرث الدموي الرهيب للمشروع الصهيوني الذي قدر عليه أن يستخدم كل البيادق التي اشتراها بالمال مثل ماكرون في فرنسا وترامب  في الولايات المتحدة مجرد حطب في صراعه اليائس من أجل صد رياح التحرر العاتية التي تدور حول القدس بالذات. 
 وبناء على هذه المعادلة الواضحة وضوح الشمس كان رئيس أركان الجيوش أول من قدم استقالته عندما صعد ماكرون إلى سدة الرئاسة في عهدته الأولى معللا ذلك بقولته الشهيرة «هذا الرجل سيدمر فرنسا...» . 
 وبالفعل  فلم تكد تمر بضعة أعوام حتى لاحت فرنسا مجرد صورة للإبمراطورية فاقدة لكل عناصر القوة بعد أن تأكلت قدراتها العسكرية وفرغت خزائنها  ليتسارع العد العكسي الذي سينتهي حتما بإنفجار داخلي قد يصعب التكهن بشكله أو مداه فيما يتعاظم السؤال من سيشتري فرنسا عندما يفتح المزاد. ؟
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

أفادت صحيفة بيلد الألمانية بأن شخصا واحدا على الأقل أصيب بجروح خطيرة نتيجة هجوم في مدرسة تعليم إض
16:04 - 2025/10/08
بدأت الجلسة الموسعة للقاءات شرم الشيخ المصرية الخاصة بتنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن
15:44 - 2025/10/08
تمكنت أحلام فيروانة، وهي امرأة فلسطينية تبلغ من العمر 59 عاما، من الخروج سرا من قطاع غزة خلال الأ
14:35 - 2025/10/08
مددت محكمة الصلح في بئر السبع مجددا اعتقال الناشطة المناهضة لإسرائيل رييس ريغو سيرفيا، وهي مواطنة
14:17 - 2025/10/08
يحتدم الجدل في الاتحاد الأوروبي في الأسابيع الأخيرة حول مبادرة قد تؤدي، وفقا لمنتقديها، إلى مراقب
13:54 - 2025/10/08
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الأربعاء، عن أسماء الفائزين في جائزة نوبل في الكيمياء.<
11:44 - 2025/10/08
أعلن المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، طاهر النونو، أن الحركة وإسرائيل تتبادلا
11:38 - 2025/10/08
صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، امس الثلاثاء، على تعيين ، بيل بزي سفيراً لدى تونس، وذلك ضمن سلسلة التر
11:21 - 2025/10/08