قطاع الأرشيف: أعباء اقتصادية باهظة وإصلاح ملح

قطاع الأرشيف: أعباء اقتصادية باهظة وإصلاح ملح

تاريخ النشر : 12:03 - 2024/07/16

تلعب الإدارة الفعالة للوثائق والأرشيف دورا حيويا في الحكم الرشيد وحماية الحقوق الاقتصادية للمواطنين والدولة.
في ظل هذه المعطيات، يعاني قطاع الأرشيف في البلاد من نقص الاهتمام والاستثمار، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد.

وضع القطاع
منذ عام 2011، تراجع وضع الأرشيف في الإدارات التونسية بشكل ملحوظ. وقد تم التبليغ مرارا كثيرة عن شبهات إتلاف وسرقة للأرشيفات، وتوجد تقارير إعلامية عديدة عن نهب الأرشيفات والاتجار بها وحرقها في حالات كثيرة. ويشكل الافتقار إلى الموارد والمختصين المؤهلين تحديا كبيرا أيضا.
قبل عام 2011، بذلت تونس جهودًا لإنشاء نظام أرشفة أكثر كفاءة، لكن الافتقار إلى الموارد البشرية المختصة والتمويل أعاق هذا التقدم. واليوم، لا يزال النفاذ إلى الأرشيف محدودًا ويشكل الحفاظ عليه من التلف والحرق وسوء التصرف تحديات كبيرة.
تأثير إهمال الأرشيف على الحقوق الاقتصادية
تضمن الإدارة الصارمة للوثائق والملفات الشفافية في إدارة شؤون الإدارة والتصرف في الأموال العمومية. وتستعمل الوثائق الأرشيفية كدليل في حالات الأنشطة غير القانونية أو الفساد. ومع ذلك، أدى الافتقار إلى المتخصصين إلى انخفاض كبير في جودة خدمات الأرشيف، مما أدى إلى تباطؤ عمليات الرقمنة والنفاذ إلى الوثائق والمعطيات عموما.
ويساعد إحكام التصرف في الأرشيف أيضًا في الحفاظ على الحقوق الاقتصادية الأساسية للمواطنين وللدولة على حد سواء. وفي حالة وجود نزاع، يعتبر الأرشيف بمثابة دليل حاسم. ودون تصرف محكم في الأرشيف، فإن العديد من الحقوق معرضة للانتهاك، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد. إذ قد يتردد المستثمرون، وخاصة الأجانب، في الاستثمار في وضع لا يكون فيه الأرشيف والوثائق في منأى عن الإتلاف والتلاعب.
التأخر في رقمنة الأرشيف وأثره الاقتصادي
إن التأخير في رقمنة الأرشيف في الإدارات التونسية له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي للبلاد ومن أهم أسبابه على وجه الخصوص:
إضعاف نظام المعلومات: يُضعف إهمال الأرشيف بشكل خطير نظام المعلومات للإدارات العمومية في تونس. ذلك أن الافتقار إلى بيانات موثوقة ويمكن النفاذ إليها يعيق قدرة صناع القرار على اتخاذ قرارات مستنيرة وفعالة.
صعوبة اتخاذ القرار: دون تصرف محكم في الأرشيف، تعاني الإدارات العمومية في كثير من الأحيان للوصول بسرعة إلى المعلومات الضرورية مما يؤدي إلى إبطاء وتعقيد اتخاذ القرار، والذي قد يعتمد أحيانا كثيرة على بيانات غير كاملة أو غير محيّنة.
إهدار الوقت والبيروقراطية: يؤدي سوء التصرف في الأرشيف إلى إضاعة وقت ثمين للمسؤولين والمواطنين الذين يسعون إلى النفاذ إلى المعلومات مما يقوي البيروقراطية ويساهم في بطء الإجراءات الإدارية.
خطر الفساد وإخفاء الأدلة: يؤدي الافتقار إلى إمكانية التتبع والشفافية في التصرف في الأرشيف إلى تسهيل الأنشطة الفاسدة ويسمح بإخفاء أدلة سوء الإدارة. مما يضر بشكل خطير بالحكم الرشيد.
وجدير بالذكر أن التأخير في رقمنة الأرشيف في تونس يؤدي إلى إبطاء تحديث الإدارة، ويحد من الشمول الرقمي والمالي ويضر بجاذبية الاستثمارات ويقلل من القدرة التنافسية للبلاد. ولذلك فإن تسريع التحول الرقمي أمر بالغ الأهمية لتحفيز النمو الاقتصادي التونسي.
دور الأرشيف الوطني التونسي؟
من الناحية النظرية، يلعب الأرشيف الوطني التونسي دورا حاسما في حماية الأرشيف والتصرف فيه. وتتمثل مهمته الرئيسية في العمل على حماية التراث الأرشيفي الوطني من خلال الحفظ والتنظيم وإتاحة الأرشيف للعموم.
ورغم ذلك، يواجه الأرشيف الوطني التونسي عدة تحديات، أبرزها نقص الموارد البشرية ومحدودية وتأخر الرقمنة. وفي هذا السياق، لا تحتوي قاعدة بيانات الأرشيف الوطني التونسي المنشورة على موقعه الإلكتروني على أي ملفات رقمية.
وعلى الرغم من إمكانية تطوير الحلول الرقمية، فإن قبول الجهات الاقتصادية الفاعلة وتعميم الحلول لا يزال يمثل تحديًا يجب التغلب عليه، فضلاً عن زيادة الوعي والتنسيق مع مختلف الإدارات العمومية. وتعيق هذه التحديات إنشاء نظام أرشفة فعال وتحدُّ من استخدام الأرشيف للبحث والتثقيف.
دعوات عاجلة لإصلاح القطاع
لمعالجة الوضع المقلق للأرشيف في تونس، يوصي الخبراء باتخاذ عدة إجراءات عاجلة. بداية، لا بد من تفعيل دور الأرشيف الوطني بشكل كامل وتزويده بالموارد البشرية والمادية اللازمة لإنجاز مهامه في التنسيق والرقابة على الأرشيف في كافة الإدارات العمومية.
ومن ثم، فإن إنشاء مجلس أعلى للأرشيف، سيضمن التطبيق الصارم لقوانين الأرشيف ويعزز الشفافية في التصرف في الوثائق العمومية. وسيكون دور هذا المجلس هو ضمان الالتزام بالتراتيب ومكافحة أي شكل من أشكال الإهمال أو الإتلاف.
وأخيرًا، يعد الاستثمار الضخم في الموارد البشرية في قطاع الأرشيف أمرًا ضروريًا لجذب المتخصصين الأكفاء والاحتفاظ بهم. وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن سد الثغرات من حيث الموظفين المؤهلين وإنشاء نظام أرشفة فعال ومستدام.
إن الإهمال المزمن لقطاع الأرشيف له بالفعل تأثير اقتصادي كارثي على مستوى الشفافية وحماية الحقوق ومكافحة الفساد. أصبح الإصلاح الطموح و الاستباقي لقطاع الأرشيف الآن حالة طوارئ اقتصادية حيوية لمستقبل البلاد

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

م، امس الثلاثاء، انتخاب وليد بن صالح، رئيًسا للجامعة الافريقية للخبراء المحاسبين للفترة النيابية
11:20 - 2025/05/07
سوق القماش هي إحدى أسواق مدينة تونس.
07:00 - 2025/05/07
ولاية ألاباما الأمريكية تقاضي «تيك توك» وشركته الأم
07:00 - 2025/05/07
ترامب يلمّح لاتفاقيات تجارية مرتقبة خلال أيام
07:00 - 2025/05/07
تراجع نسبة الفائدة في السوق النقدية إلى 7,50 % خلال شهر أفريل
07:00 - 2025/05/07
اتفاقية هامة امضى عليها وزير الاقتصاد والتخطيط  مع البنك العالمي لفائدة التعليم العالي في تونس وس
07:00 - 2025/05/07
للسنة الثانية على التوالي يحصل مجمّع «الوردة البيضاء» على جائزة التقدم الاجتماعي، التي تسندها سنو
07:00 - 2025/05/07