مع الشروق .. مُؤسّسات عُموميّة «مُفلسة» على الدّوام .. إلى مَتى !؟

مع الشروق .. مُؤسّسات عُموميّة «مُفلسة» على الدّوام .. إلى مَتى !؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/06/28

جاء تصريح الرئيسة المديرة العامة للمؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة ETAP مؤخرا حول الوضعية الماليّة الصعبة للشركة وارتفاع ديونها الى ما لا يقل عن 974 مليون دينار، ليؤكد مرة أخرى ما بلغته حالة أغلب المؤسسات العمومية من تدهور وليزيد من درجة الاستغراب والحيرة حول هذا الملف. فرغم أن الأمر يتعلق بشركة بترولية من المفروض أن تكون في وضعية مالية مريحة، كغيرها من الشركات البترولية في مختلف دول العالم، إلا أن  الوضع في بلادنا كان مختلفا. وشركة ETAP ليست الأولى التي يُطلق مسؤولوها صيحة فزع حول وضعها المالي الصعب. فاغلب المؤسسات العمومية أعلنت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، وإلى حدود الأشهر الماضية، عجزها عن سداد ديونها وقروضها وعن خلاص المزودين في الداخل وفي الخارج وعن خلاص الأجور وعن شراء مستلزمات نشاطها، وهو ما أصبح يهدّد بعضها بالتوقف عن النشاط..
ويظل المثال الأبرز عن الوضعيات الصعبة الدائمة والمستمرة التي تعاني منها المؤسسات حالة شركة فسفاط قفصة التي لم يمر عام واحد دون ان يسجل فيه تراجع الانتاج وتراكم الخسائر وهو ما ينطبق أيضا على المجمع الكيمياوي. والأمر نفسه بالنسبة الى شركات النقل الوطنية ( نقل تونس – شركة السكك الحديدية - تونس الجوية - الشركة التونسية للملاحة) وشركات النقل الجهوية. ويشمل هذا الوضع ايضا شركات "الستاغ" و" الصوناد" و"الستير" و"الفولاذ" و"اللحوم" وعجين الحلفاء ومصنع السكر والصيدلية المركزية ووكالة التبغ دون ان ننسى الصناديق الاجتماعية والدواوين المختلفة والمؤسسات الصحية (المستشفيات) والمؤسسات الإعلامية العمومية، وقبلها البنوك العمومية الثلاثة، قبل أن تتدخل الدولة أكثر من مرة لإنقاذها، والامثلة عديدة..  
ويطرح استمرار الوضعيات المالية الصعبة للمؤسسات العمومية على مدى سنوات عديد التساؤلات عن مدى نجاعة الحوكمة والتصرّف داخلها وعما يتردد عن وجود شبهات فساد داخلها.. فأغلب هذه المؤسسات لا تقدم خدمات أو سلعا مجانية بل تقوم بأنشطة ربحية أي انها توفر خدمات او تبيع سلعا بمقابل يدفعه المواطن او الدولة على غرار معاليم الكهرباء والماء والخدمات الصحية وأسعار تذاكر النقل والدواء. وبعض المؤسسات العمومية تبيع سلعا في السوق الداخلية بمقابل مالي وبعضها مؤسسات مصدرة ولها مداخيل بالعملة الصعبة ( مثل شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي ومؤسسة الأنشطة البترولية).. وأكثر من ذلك تنتفع اغلب المؤسسات بما ترصده لها الدولة ضمن الميزانية العامة من تمويلات.
وفي أغلب دول العالم، تمثل المؤسسات العمومية الذراع المالي والتجاري والاجتماعي للدولة، توفر عائدات للميزانية العامة وتقوم بدورها كاملا في توفير خدمات المرفق العام. لكن في تونس تحولت اغلب المؤسسات العمومية الى عبء على المواطن وعلى الدولة: فالمواطن لا يستفيد بالشكل المطلوب وبالجودة المنتظرة من الخدمات العمومية التي تقدمها هذه المؤسسات، والدولة لا تستفيد من الأرباح التي من المفروض ان توفرها هذه المؤسسات.. فأين يكمن الخلل إذن ؟ هل هو سوء التصرف وغياب الحوكمة الرشيدة داخل هذه المؤسسات؟ أم هو ما يقع تداوله حول وجود شبهات فساد فيها؟ أي دور لهيئات الرقابة المالية والإدارية لوضع حد للاخلالات؟ لماذا يعجز المسؤولون والموظفون والمهندسون داخل هذه المؤسسات طيلة سنوات عن ابتكار حلول للإنقاذ؟ 
وإذا كان رئيس الدولة قد أكد أكثر من مرة على ضرورة المحافظة على المؤسسات العمومية وعدم التفويت فيها للخواص والعمل على إصلاحها وحمايتها، إلا أن عديد المؤشرات باتت تؤكد صعوبة تحقيق هذه الغاية في ظل ما أصبحت تمر به من صعوبات مالية "ثقيلة" وفي ظل عدم وجود بوادر لتغيير وضعها نحو الأفضل على المدى القريب والمتوسط.. ويظل الخوف كل الخوف من أن تضطر الدولة في كل مرة إلى ضخ أموال لهذه المؤسسات من المال العام حتى لا يتوقف نشاطها، لكن إلى متى سيتواصل ذلك وإلى أي حدّ ستتحمل الدولة والمجموعة الوطنية عبء هذه المؤسسات دون أن تجتهد هي لإنقاذ نفسها بنفسها ؟.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك