مع الشروق .. ... من «إبداعات» الخيال الصهيوني المريض

مع الشروق .. ... من «إبداعات» الخيال الصهيوني المريض

تاريخ النشر : 07:27 - 2024/01/24

تفتّق العمل الصهيوني مؤخرا عن فكرة شيطانية لحل «معضلة» غزة.. ذلك أن الصهاينة جرّبوا كل الوسائل من قصف مجنون وحرب إبادة جماعية وتدمير ممنهج للمساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد.. كما جرّبوا تحريك سكان القطاع بين الشمال والجنوب وتشريدهم في الخيام البدائية وفي العراء في هذا البرد القارس بهدف دفعهم للرضوخ إلى مخطط التهجير وترك القطاع طلبا للنجاة بأرواحهم كشرط أساسي لانطلاق مشروعهم الجهنمي للقطاع القاضي بدمج أراضي غزة وسواحلها في مشروع طريق الهند ـ أوروبا الذي يحوز بالكامل على انخراط ودعم أمريكا خلافا لما تتظاهر به إدارة بايدن من رفض لتهجير سكان القطاع بطريقة قسرية.
الفكرة الصهيونية الشيطانية تتمثّل في بناء جزيرة اصطناعية قبالة سواحل غزة (على بعد 4 ـ 5 كيلومترات من سواحل القطاع) يتم توطين سكان القطاع فيها وبذلك يحقق الصهاينة بالمخاتلة وبالخديعة ما عجزوا عن تحقيقه بقوة الحديد والنار.. المخطط الصهيوني الخطير لم يبق على مستوى الفكرة بل إنه خرج إلى أرض الواقع في محاولة صهيونية بائسة ويائسة للبحث عن ممولين لهذا المشروع المكلف.. بحيث يتمكنون من إخلاء القطاع من سكانه بأموال أوروبية.. فقد عقد الطرف الصهيوني (طرف رسمي) اجتماعا مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وطرح عليهم تمويل هذه المقاولة الكبرى كحل نهائي لحرب غزة التي لا تكاد تهدأ حتى تعود من فترة إلى أخرى.
ممثلو الاتحاد الأوروبي الذين صُدموا بهذه الفكرة الجهنمية أصيبوا بالذهول لخصوبة الخيال الصهيوني فيما عبّرت كثير من الدول وفي طليعتها بلجيكا والبرتغال عن رفضها للفكرة جملة وتفصيلا...
لكن الرفض الأوروبي لا يعني تخلي الصهاينة عن فكرة تهجير سكان قطاع غزة.. والعقل الصهيوني المريض لن يعدم الحيلة ولا الوسيلة لـ«ابتكار» ألاعيب أخرى تساعد على تنفيذ هذا المخطط.. فقد جرّبوا ترويع الفلسطينيين بالقصف والتقتيل والتدمير والتشريد لإجبارهم على ترك أراضيهم وفشلوا... وجرّبوا مغازلة مصر وإغراءها بالأموال وبالتعويضات لمنح «وطن بديل» للفلسطينيين في صحراء سيناء وفشلوا.. وجرّبوا فكرة إغراء دول إفريقية بالمال لاستيعاب سكان القطاع وفشلوا.. وجرّبوا فكرة توزيع سكان القطاع بعد إغرائهم بالمال في العراق وتركيا والسعودية ومصر وكندا وغيرها وفشلوا.. ومع ذلك نجدهم يكرّرون المحاولات ويتفنّنون في وضع الخطط والألاعيب بغية تحقيق هذا الهدف...
والسؤال الذي يطلّ برأسه هنا يحوم حول خفايا هذا الإصرار الصهيوني على تهجير سكان القطاع؟ وعناصر الجواب عن هذا السؤال متوفرة ومتناثرة في تصريحات المسؤولين الصهاينة والأمريكان. وحين نجمّع هذه العناصر نجد أن مطلب تهجير سكان القطاع ليس مطلبا صهيونيا فقط بل إنه مطلب أمريكي أيضا. فأمريكا التي تضيق بمشروع الحزام وطريق الحرير الصيني والذي سيمكن التنين الصيني من ابتلاع الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي ومن التجارة العالمية تريد احتواء هذا المشروع بل وإجهاضه من خلال طريق الهند ـ أوروبا الذي سيشكل ضربة قاضية للمشروع الصيني... كما أن أمريكا تريد إدماج الكيان الصهيوني في هذا المشروع الضخم وكذلك إدماجه في نسيج الإقليم من خلال تطبيع علاقاته مع الجوار العربي حتى تتفرغ لمعاركها الحقيقية والمصيرية مع التنين الصيني ومع الدب الروسي... وهي معارك مدارها الإبقاء على نظام عالمي أحادي القطبية تحت هيمنة واشنطن أو قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب على أنقاضه.
أما الطرف الصهيوني فهو يرى في مخطط التهجير لحظة يجب الانقضاض عليها وفرصة تاريخية يجب التقاطها أولا بتحويل الكيان إلى قطب الرحى في مشروع الهند ـ أوروبا.. وثانيا بتوفير مناخات الانطلاق إلى تنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى» الممتدة من النيل إلى الفرات وفق رؤى منظري المشروع الصهيوني.. وتهجير سكان القطاع إلى مصر أو إلى البحر سوف يوفر لهم السابقة ويطلق أيديهم لتهجير سكان الضفة الغربية إلى شرقي نهر الأردن وإلى إدماج أجزاء من لبنان وسوريا والعراق ومصر والسعودية في المشروع الصهيوني الكبير... لأجل هذه الأحلام الأمريكية والصهيونية «يجتهد» الصهاينة في السعي لاقتلاع سكان القطاع وتهجيرهم إلى الصحراء وإلى البحر أو إلى الشتات.. ولأجل هذه الأحلام «تجتهد» الإدارة الأمريكية في توفير السلاح والمال والغطاء السياسي وتمنحهم ما شاؤوا من الوقت لتكرار محاولاتهم عساهم يفلحون في تحقيق الهدف المشترك.
لكن كل هذه المخططات المشبوهة والمكشوفة ظلت تصطدم بصمود أسطوري للشعب الفلسطيني.. وظلت تتكسّر على صخرة مقاومة مصمّمة على تحقيق النصر وكسر شوكة الصهاينة.
وأمام هذه المعطيات فإنه لا يبقى أمام الصهاينة إلا خيار وحيد.. خيار مؤداه أنه طالما يمكن بناء الجزر وتحويلها إلى أوطان فلماذا لا يبنون لهم جزيرة كبرى في أعالي البحار (في المياه الدولية) فيعمّروها ويتوسعون فيها كما يشاؤون.. أمّا سكان غزة وأمّا سكان فلسطين ومن ورائهم كل الشعوب العربية فهم ثابتون على أرضهم، متمسكون بالبقاء عليها.. ومنطقتنا العربية لا مكان فيها للغرباء الذين سيلفظون في النهاية والذين يبقون «مارين بين الكلمات العابرة» على قول شاعرنا الكبير محمود درويش... مهما طال الزمن.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك