مع الشروق .. هل مازال الحياد ممكنا؟ !
تاريخ النشر : 07:00 - 2023/09/10
تزداد العلاقات الدولية تشابكا وتعقيدا، في ظلّ التحولات الاستراتيجية العميقة في موازين القوى بين القوى الكبرى، التي بدأت تحدث تصدعات في بنية النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
تاريخيا انقسم المنتصرون في الحرب إلى محورين، المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي، وخاضا حربا باردة دامت عقودا وبينهما وجدت مجموعة من الدول نفسها مضطرة إلى عدم الانحياز إلى هذا الطرف او ذاك و شكلت منظمة عدم الانحياز التي نشأت عن مؤتمر باندونغ سنة 1955، بالرغم من ان كثيرا من دول هذه المنظمة كانت منحازة فعلا للمعسكر الشرقي نظرا لارتباطات إيديولوجية وفكرية، والسؤال اليوم، هل مازال بإمكان الدول الصغرى أن تناور و أن تستغل سياسة المحاور العائدة وبقوة، من اجل تأمين مصالحها؟
الإجابة تقتضي أولا إعادة طرح السؤال بطريقة اخرى، وهل ضمنت دول عدم الانحياز مصالحها فعلا عندما رفضت الانحياز؟ وهل حققت الدول التي ارتمت فعليا في حضن هذا المعسكر أو ذاك مصالحها و حققت تقدما جعلها تقفز من مرتبة « دول العالم الثالث» إلى مصاف الدول المتقدّمة. التجربة التاريخية تثبت أن الدول التي اختارت عدم الانحياز ظلت على حالها،وأن الدول التي اختارت أيضا التحالف الامني أو الاقتصادي مع أحد أقطاب المعسكرين ظلت نهضتها مرهونة بالتبعية لذلك الطرف القوي.
ما نريد التأكيد عليه أنه مع بروز ظاهرة تعدد الأقطاب السياسية و الاقتصادية و تعدد التكتلات الإقليمية و الدولية، لم يعد بالإمكان للدول ان تظل خارج هذه التحالفات لأنّ أبواب التمويل والاستثمارات الكبرى و المساعدات المالية باتت مرتبطة وبصورة واضحة بالموقف السياسي، وبالخيارات التي لم تعد تسمح باللعب على الحبلين كما يقال.
نحن نرى أن ركائز منظمة عدم الانحياز تكتلت ضمن تجمعات مثل البريكس و شنغهاي و نرى أن دولا أخرى كانت حليفة للمعسكر الغربي وخاصة في الخليج العربي، باتت أعضاء في هذه التكتلات الجديدة ذات الأبعاد الاقتصادية و الأمنية، ما يعني اصطفافها في معسكر الأقطاب الجديدة الرافضة لهيمنة القطب الغربي الواحد. ونحن في تونس علينا أن ندرس جيدا هذه التحولات و انّ نقرأ حسابا لكلّ خطوة، لأنّ هامش المناورة لدينا بات ضيقا و محدودا، و الفطنة تقتضي ربط الجسور مع القوى الصاعدة لا مع المتراجعة. نحن نريد نهضة اقتصادية ومصادر المال الضخمة و التكنولوجيا فائقة الذكاء، باتت في الشرق لا في الغرب، وعليه فمن الطبيعي ان ننزاح شرقا بحثا عن فرص ازدهار افضل،و هذا لا يعني قطع العلاقات مع الغرب، ولكن لكل بلد مصالح عليه أن يبحث عنها اينما كانت خاصة إذا رأينا أن الغرب نفسه لا يقطع الصلات مع الشرق بل يتفاوض معه على اساس من الندية وبحثا عن عنصرتكامل اقتصادي اكبر، وما محاولات واشنطن فتح التفاوض مع الصين حول الاتفاقيات التجارية إلاّ تعبيرا عن أنّ الشرق صار له موقف و مكانة لا يمكن غض الطرف عنهما.
كمال بالهادي
تزداد العلاقات الدولية تشابكا وتعقيدا، في ظلّ التحولات الاستراتيجية العميقة في موازين القوى بين القوى الكبرى، التي بدأت تحدث تصدعات في بنية النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
تاريخيا انقسم المنتصرون في الحرب إلى محورين، المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي، وخاضا حربا باردة دامت عقودا وبينهما وجدت مجموعة من الدول نفسها مضطرة إلى عدم الانحياز إلى هذا الطرف او ذاك و شكلت منظمة عدم الانحياز التي نشأت عن مؤتمر باندونغ سنة 1955، بالرغم من ان كثيرا من دول هذه المنظمة كانت منحازة فعلا للمعسكر الشرقي نظرا لارتباطات إيديولوجية وفكرية، والسؤال اليوم، هل مازال بإمكان الدول الصغرى أن تناور و أن تستغل سياسة المحاور العائدة وبقوة، من اجل تأمين مصالحها؟
الإجابة تقتضي أولا إعادة طرح السؤال بطريقة اخرى، وهل ضمنت دول عدم الانحياز مصالحها فعلا عندما رفضت الانحياز؟ وهل حققت الدول التي ارتمت فعليا في حضن هذا المعسكر أو ذاك مصالحها و حققت تقدما جعلها تقفز من مرتبة « دول العالم الثالث» إلى مصاف الدول المتقدّمة. التجربة التاريخية تثبت أن الدول التي اختارت عدم الانحياز ظلت على حالها،وأن الدول التي اختارت أيضا التحالف الامني أو الاقتصادي مع أحد أقطاب المعسكرين ظلت نهضتها مرهونة بالتبعية لذلك الطرف القوي.
ما نريد التأكيد عليه أنه مع بروز ظاهرة تعدد الأقطاب السياسية و الاقتصادية و تعدد التكتلات الإقليمية و الدولية، لم يعد بالإمكان للدول ان تظل خارج هذه التحالفات لأنّ أبواب التمويل والاستثمارات الكبرى و المساعدات المالية باتت مرتبطة وبصورة واضحة بالموقف السياسي، وبالخيارات التي لم تعد تسمح باللعب على الحبلين كما يقال.
نحن نرى أن ركائز منظمة عدم الانحياز تكتلت ضمن تجمعات مثل البريكس و شنغهاي و نرى أن دولا أخرى كانت حليفة للمعسكر الغربي وخاصة في الخليج العربي، باتت أعضاء في هذه التكتلات الجديدة ذات الأبعاد الاقتصادية و الأمنية، ما يعني اصطفافها في معسكر الأقطاب الجديدة الرافضة لهيمنة القطب الغربي الواحد. ونحن في تونس علينا أن ندرس جيدا هذه التحولات و انّ نقرأ حسابا لكلّ خطوة، لأنّ هامش المناورة لدينا بات ضيقا و محدودا، و الفطنة تقتضي ربط الجسور مع القوى الصاعدة لا مع المتراجعة. نحن نريد نهضة اقتصادية ومصادر المال الضخمة و التكنولوجيا فائقة الذكاء، باتت في الشرق لا في الغرب، وعليه فمن الطبيعي ان ننزاح شرقا بحثا عن فرص ازدهار افضل،و هذا لا يعني قطع العلاقات مع الغرب، ولكن لكل بلد مصالح عليه أن يبحث عنها اينما كانت خاصة إذا رأينا أن الغرب نفسه لا يقطع الصلات مع الشرق بل يتفاوض معه على اساس من الندية وبحثا عن عنصرتكامل اقتصادي اكبر، وما محاولات واشنطن فتح التفاوض مع الصين حول الاتفاقيات التجارية إلاّ تعبيرا عن أنّ الشرق صار له موقف و مكانة لا يمكن غض الطرف عنهما.
كمال بالهادي
