مع الشروق.. إنها لعبة «دمّر نفسك بنفسك» !

مع الشروق.. إنها لعبة «دمّر نفسك بنفسك» !

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/04/26

من محطة إلى محطة يمضي «ربيع الخراب العبري» في تحطيم الدول العربية. والوسيلة واحدة في كل محطة مرّ منها ربيع الخراب.. وهي وسيلة «دمّر نفسك بنفسك».. والنتيجة تدمير لجيوش وتحطيم لمؤسسات واستنزاف لمقدرات.. وفي الأخير «تأهيل» لدول كي تخضع لمشرط التقسيم وإعادة التشكيل وتصبح «تلميذا نجيبا مطيعا» في صف «الشرق الأوسط الجديد»..
البداية كانت بالعراق.. عراق الشهيد صدام حسين.. ولأن العراق كان يمتلك جيشا قويا عتيدا ونظاما عقائديا استعصى  على كل المناورات والدسائس فقد استوجب الأمر تدخل «المقاول الأمريكي بنفسه» لينجز مهمة تدمير جيش العراق واسقاط نظامه الوطني وإغراق دولته في فوضى الصراعات المذهبية والتدخلات الاقليمية والدولية.. لإنجاز المهمة القذرة حشدت أمريكا قوة رهيبة وكأنما كانت تعدّ لمنازلة قوة عظمى في حجم الصين أو روسيا وليس دولة تبقى دولة صغيرة في حجم العراق.. حين اختلف كبار الادارة الأمريكية وعتاة المحافظين الجدد حول حجم الحشد العسكري و«الحكمة» من حشد كل ذلك القدر من القوة النارية.. وقتها رد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن غزو العراق بآلة الحرب الأمريكية سوف يكون آخر مرة تحتاج فيها التدخل المباشر لإسقاط نظام أو لإنهاك دولة وتقسيم كيان.. رامسفيلد أقنع بضرورة تحويل العراق إلى حقل  رماية لاستعراض القوة النارية لأمريكا وتوجيه الرسائل الضرورية باتجاه موسكو وبيكين وباتجاه كل عاصمة عربية أو نظام عربي يأنس في نفسه القدرة ويتطلع إلى لعب دور اقليمي مثلما حدث مع الرئيس الشهيد صدام حسين الذي خرج منتصرا من حرب الثماني سنوات مع إيران ويتطلع إلى فلسطين ويرفع مقولة التحرير «من النهر إلى البحر». أما ما بعد العراق فإن رامسفيلد أقنع بأن «الدرس العراقي» سيكون كافيا لاسقاط أي نظام ولردع أي تطلع للعب دور اقليمي وخاصة لتهديد الكيان الصهيوني..
فلقد بلورت أمريكا نظرية «دمّر نفسك بنفسك» واعتمدتها وسيلة لاستنزاف الدول وطاقاتها ومقدراتها وإضعافها لتصبح خاضعة طيعة وذلك بأيدي أبنائها. بحيث تضمن أمريكا عدم تحريك جيوشها وأساطيلها وتضمن تحقيق أهدافها الاستراتيجية. ولا تزال آلية «دمّر نفسك بنفسك» تعمل وتدمر الدول وتستنزف الطاقات وتشق الصفوف وتضعف الجميع ليمر قطار الشرق الأوسط الجديد وتخضع المنطقة بكياناتها الصغيرة والقزمية والضعيفة لسطوة وهيمنة الكيان الصهيوني..
فهل يجب أن ننظر إلى ما يحدث في السودان من هذه الزاوية؟ وهل يمكن القول أن السودان قد وقع في شراك «دمّر نفسك بنفسك» ليتولى أبناؤه الامعان في تقطيع أوصاله واستنزاف مقدراته وتهيئته إلى مزيد التقسيم؟ هذه الأسئلة تجد مشروعيتها في التداعيات الخطيرة التي تجري على أرض النيلين ووصول المواجهات العسكرية إلى نقطة اللاعودة. ذلك أن السودان الذي فقد جنوبه قبل سنوات نتيجة لضغوط أمريكية ـ دولية رهيبة زينت للنظام في السودان أن التخلي عن جنوبه سوف يكون نهاية متاعبه ومشاكله.. وأن فصل العضو الجنوبي سيمكن من إطفاء الحريق في دارفور مثلا وفي كل المناطق السودانية التي تغذي قبائلها نزوعا إلى الانفصال.
لكن هذا السودان ومع تقليم طرفه الجنوبي ما يزال يتخذ شكل عملاق بإمكانه غدا أن يوفر الغذاء للوطن العربي برمته إذا ما توفرت الإرادة السياسية وأخرجت قرارات قمة بغداد (1989) والقاضية بإحداث مشروع الأمن الغذائي العربي في السودان من ادراج الجامعة.. ثم ان قطار «التقسيم وإعادة التشكيل» قد مني بهزيمة كبرى في سوريا حيث تكسرت الهجمة على صخرة الصمود الأسطوري لسوريا جيشا وشعبا وقيادة. كما أنه مازال يترنح في الساحة الليبية ولا أفق حقيقية لمروره واحداث التقسيم في ليبيا. لذلك كان لا بدّ من «جسد مريض» يتم من خلاله انعاش هذا الحلم الصهيوني المتربص بالجميع.. والسودان تتوفر فيه كل المواصفات. كيان كبير مترامي الأطراف.. اشكالات قبلية لها أول وليس لها آخر... فلول اخوانية تطلب ثأرا وتريد التموقع من جديد.. دولة ضعفت وارتخت قبضتها.. طبقة سياسية مشتتة وقيادة عسكرية برأسين كانت تشكل صداعا في رأس السلطة.. صداع كان كافيا لتفجير الأوضاع ووضع السودان على سكة المجهول..
ولا يزال السودانيون يمعنون في العبث بمقدرات بلادهم ويتفننون في تبديد مقدرات هي أصلا شحيحة وتجعل السودان في مؤخرة الترتيب من حيث مؤشرات التنمية.. وقد لا يستفيق الفاعلون السودانيون إلا وقد تهيأت ظروف تشظي بلدهم ومزيد تفتيته.. ألم نقل إنها لعبة «دمّر نفسك بنفسك»؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك