مع الشروق.أزمة التعليم... والمُخلّفات النفسيّة الخطيرة على التلميذ...

مع الشروق.أزمة التعليم... والمُخلّفات النفسيّة الخطيرة على التلميذ...

تاريخ النشر : 08:00 - 2023/03/03

شارفت الثلاثية الثانية من العام الدراسي على النهاية ومرّت الأشهر والأسابيع دون أن يقع التوصل إلى حلّ نهائي لأزمة التعليم في تونس، ودون أن يتمكّن التلاميذ وعائلاتهم من الاطلاع على أعداد ومعدلات الثلاثي الأول وسط تلويح الطرف النقابي بمواصلة حجبها بالنسبة للثلاثي الثاني، وهو ما أصبح يطرح بقوة فرضية "سنة بيضاء"..  
"مهزلة" حقيقية و"بدعة" تونسية وسابقة خطيرة لم يعرف لها العالم مثيلا، يعيشها اليوم قطاع التعليم في تونس دون أن يتوصّل الطرفان الحكومي والنقابي إلى حلّ جذري ينهي "فضيحة" حجب أعداد ومعدلات الثلاثيتين الأولى والثانية ودون أن تظهر في الأفق بوادر من شأنها طمأنة التلاميذ وتحفيزهم على الاجتهاد والبذل لتحسين مكتسباتهم التعليمية.
على امتداد أكثر من 10 سنوات، لم تمر سنة دراسية واحدة دون ان تتخللها تقلبات مختلفة تراوحت بين إيقاف الدروس وعدم إجراء الامتحانات وحجب الأعداد والمعدلات، فضلا عن كثرة غيابات المدرسين وعدم توفر مُدرسين في بعض المدارس والمعاهد في عديد الاختصاصات. وفي كل مرة يكون التلميذ ضحية ورهينة يقع استغلالها بمثابة الوقود للأزمة.  
في السنوات الأخيرة تفاقمت أزمة التعليم العمومي بشكل غير مسبوق بسبب ما أصبحت عليه حالة المؤسسات التربوية من تدهور كبير وبسبب غياب أي تجديد وتطوير للبرامج التعليمية. وتفاقمت الأزمة أكثر بسبب عدم توفر إرادة حقيقية لإصلاح الزمن المدرسي ورقمنة مناهج التعليم وتطوير الكتاب المدرسي وآليات التقييم، ولكن أيضا بسبب تمسّك الطرف النقابي بوسائل احتجاج لا يكون ضحيتها في كل مرة سوى التلميذ..
وقد أدى كل ذلك إلى ظهور حالة من الشكوك والمخاوف من وجود أياد خفية تعمل على "التدمير الممنهج" للتعليم العمومي خدمة لمصالح ضيقة، وهي فرضية باتت مطروحة بقوة في علاقة بما يشهده التعليم الخاص من تطوّر ملحوظ على كل المستويات، عكس التعليم العمومي الذي ظل يتراجع بشكل خطير وكأن الأمر يتعلّق بدولتين داخل الدولة الواحدة!
والأخطر من كل ذلك ما أصبحت تشهده ظاهرة الانقطاع المدرسي من توسّع بسبب ما يعانيه التعليم العمومي من تقلبات، ليبلغ العدد الجملي للمنقطعين عن الدراسة سنويا حوالي 100 ألف تلميذ. وهو مؤشر اجتماعي خطير بما انه يعني بالنسبة للتلميذ المنقطع خطر البطالة والانحراف والجريمة والهجرة غير الشرعية والاستقطاب الفكري نحو التطرّف.
كل التونسيين، لا سيما أولياء التلاميذ، يتفقون اليوم على أن ما يحصل من إيقاف للدروس والامتحانات أو حجب الأعداد والمعدلات أصبح وسيلة احتجاجية غير مقبولة تماما لأنه لا يعدو أن يكون سوى عملية مقايضة بمصلحة التلميذ وتحويله إلى رهينة ثم إلى ضحية قد يصعب فيما بعد علاجها من مخلفات ما حصل خاصة عندما يبلغ الامر حدّ عدم الرغبة في مزاولة الدراسة أو الانقطاع عنها تماما..
ومما لا شك فيه أن ما يتعرض له التلميذ اليوم من تهميش وتلاعب أصبح في نظره بمثابة "الإهانة" وعدم إيلاء أي اعتبار أو أهمية له. وهو ما سيُخلف لديه حتما آثارا نفسية خطيرة على الأقل بالنسبة لما تبقى من العام الدراسي الحالي إضافة إلى الآثار النفسية متوسطة وطويلة المدى، وإضافة خاصة إلى الآثار الملموسة على مستوى المكتسبات التعليمية الضرورية لإتمام بقية المشوار الدراسي في الجامعة ولمزاولة الحياة الاجتماعية والمهنية المستقبلية.  
إن تواصل أزمة التعليم على ما هي عليه اليوم من خطورة لن يمرّ دون تداعيات خطيرة ستشمل الجميع دون استثناء في قادم السنوات. وهو ما يجعل الطرفين المعنيين بهذه الازمة – الحكومي والنقابي- أمام مسؤولية جسيمة للتوصل إلى حلّ جذري توافقي ينهي ما يحصل من "مهزلة" تكاد تُدمّر قطاع التعليم العمومي الذي كان منذ سنوات الاستقلال الأولى ولا يزال – ولو بدرجة أقل- مفخرة لتونس وللتونسيين بشهادة العالم.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك