مع الشروق: الاحتجاج السلمي والأولويات الوطنية

مع الشروق: الاحتجاج السلمي والأولويات الوطنية

تاريخ النشر : 07:55 - 2023/01/15

في الذكرى الثانية عشرة للثورة، شهد شارع الحبيب بورقيبة تظاهرات سلمية عبّر فيها المحتجون عن كلّ آرائهم بما في ذلك مطالبتهم بإسقاط النظام وتوجيه عبارات استفزازية لقوات الأمن التي أمنتهم وحافظت على هدوئها، وحفل الشارع بأطياف سياسية مختلفة بما في ذلك أصحاب الرايات السوداء، وهي تلتقي كلها عند معارضة الرئيس قيس سعيد وفي مناطق أخرى من العاصمة خرجت تظاهرات وكسرت حواجز أمنية ولم يتم التعرض لها بعنف الدولة، بل تم السماح للمتظاهرين بالتعبير عن آرائهم دون أيّ تعدّ عليهم. 


الآن وقد انتهت هذه التظاهرات التي أريد لها علنا وسرا أن تكون مظاهرات إسقاط النظام، ودون تحقيق الهدف الذي خرج له المحتجون، هل آن الآوان ليفكّر الجميع سلطة ومعارضة في الأولويات الوطنية الكبرى والتي تهدّد الجميع بالغرق. ليس هناك الآن أولوية تفوق أولوية الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي، وهذه لن يقدر عليها رئيس الجمهورية وحده مثلما أنّ المعارضة عليها أن تقدم برامج واقعية يمكن تقود إلى إصلاح اقتصادي  شامل. إنّ من يقول اليوم إنّ لديه برامج فعليه أن يعمل على فرض الاستماع إليها وأن يحشد من أجل الضغط لتنفيذ إصلاحات شاملة. 


ما نلاحظه منذ فترة أن الرئيس والمعارضة وبرغم الاختلافات العميقة بينهما وحالة القطيعة التامة إلاّ أنهما يشتركان في التحرّك في ذات المربع، ألا وهو المربع السياسي، فشعارات المتظاهرين في الذكرى 12 للثورة لم تتجاوز المربع السياسي وكل الاطلالات الإعلامية لرئيس الدولة هي إطلالات ذات محتوى سياسي. وهذا المربع هو الذي ندور فيه أيضا منذ العام 2011، والسبب يبدو على درجة من الوضوح بالنسبة إلينا. النخبة السياسية في تونس ليست لها برامج اقتصادية ثورية تغير وجه تونس تغييرا جذريا. الجميع مارس السلطة سواء في وجهها التنفيذي أو التشريعي، واكتشفنا أن برامجهم لم تتعدّ تنقيح مقترحات "الإدارة" التي تقدمها في مشاريع الميزانية أو قوانين المالية،أو الاحتجاج عليها في ظواهر صوتية لم تنجح في أن تتحوّل إلى بديل تنموي لأن الجميع لا يملك ذلك البرنامج.  


نحن الآن في أمس الحاجة إلى التفكير الشامل، وإلى النظرة الشمولية، للوصول إلى الأفكار الأولى المؤسسة للجمهورية الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وإذا ما تأخرنا أكثر فإننا جميعا لن نساهم إلا في مزيد من الغرق في مستنقع التأخر والتخلّف الشامل. وأولى شروط هذا التفكير الشامل هو التحرر من المربع السياسي، ليس بالتسليم لفرد أن يحكم الدولة بمفرده، ولكن بتقديم تنازلات من الطرفين، وبالنقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء من قبل الجميع. هذا هو الطريق الأول والشرط الذي لا بد منه من أجل حسم المسألة السياسية واستكمال أركانها التي مازالت معطّلة وعلى رأسها المحكمة الدستورية. 


إنّ من يعتبر أنّ مسار 25 جويلية هو مسار خاطئ ويقود البلاد إلى الهاوية فعليه أن يعترف أيضا بأن ما قبل ذلك لم يكن الجنّة، وعندها سنبدأ بالتفكير الجدي في الثورة ومآلاتها.


كمال بالهادي 

تعليقات الفيسبوك