مع الشروق..المأزق الأوروبي في أوكرانيا

مع الشروق..المأزق الأوروبي في أوكرانيا

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/03/24

 إن كان هناك خاسر في الأزمة الاوكرانية بعيدا عن طرفي النزاع فهي بالتأكيد دول الاتحاد الأوروبي  التي وجدت نفسها في مأزق حقيقي يطول الخروج منه لم تعهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
و لعلّ أبرز ما كشفته الحر ب الأوكرانية هي هشاشة النظام الأوروبي الذي يستمدّ قوته  ظاهريا من الاقتصاد،  وما يسمى "القيم المشتركة" للنظام الليبرالي القائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وفي هذه "الحرب المأزق" و جد الاوروبيون أنفسهم عالقين بين الشراكة الطاقية مع روسيا التي تحفظ مصالحهم الاقتصادية   وبين الدفاع عن الوحدة الأوروبية وحلف "الناتو" رغم أن أوكرانيا ليست عضوا فيهما.
فمن ناحية وجد  الاوروبيون أنفسهم رهينة للغاز الروسي شريان أغلب الاقتصاديات الاوروبية وخاصة ألمانيا التي عبّرت مرارا وتكرارا عن أنها لا يمكن أن تتخلى عن الغاز الروسي بسهولة.
وحتى لو قرروا مقاطعة الغاز الروسي فالبديل غير موجود وقد يتطلّب سنوات لتوفيره ولن يكون بنفس الكميات أو السعر الذي توفّره روسيا، هذا اضافة الى تكلفة قطع العلاقة التعاقدية التي تمتد الى 25 سنة (شركة توتال الفرنسية).
وبالتالي سيكون الازدهار الاقتصادي والأمن والاستقرار الذي تمتعت به أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو الضحية الأولى للحرب و هذا ما سيدفع دول الاتحاد الى التفكك وانتهاج خيارات فردانية تضمن مصالحها الخاصة.
ويتوقع الخبراء أن معالجة تداعيات الأزمة الاوكرانية على أوروبا اقتصاديا تتجاوز تكلفة حجم الناتج المحلي الإجمالي بالاتحاد الأوروبي في عام 2022 (المقدر بنحو 175 مليار يورو.
على جانب آخر وجد الاوروبيون أنفسهم في مأزق تفضيل الانسان المسيحي  كون روسيا أيضا دولة مسيحية وان اختلفت الانتماءات بين الارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وهو أمر لطالما تغنى به العالم المسيحي الذي يعتبر أن الحروب تليق بالعرب وبالعالم الثالث.
واضافة الى أزمات اللاجئين في الشرق الأوسط التي ارهقت القارة الاوروبية طيلة العقد الأخير، زادت الأزمة الاوكرانية من معاناة القارة العجوز حيث قد تصل تكلفة استقبال الاتحاد الأوروبي لهؤلاء اللاجئين حوالي 30 مليار يورو في عام 2022 وحده.
من جهة أخرى أحيت الأزمة الاوكرانية معضلة الأمن الأوروبي ودور حلف الناتو في حماية أوروبا، وهو ما أعاد جدل التبعية الاوروبية لأمريكا الى الواجهة بقوة في ظل الرغبة في تأسيس جيش أوروبي موحّد.
هذه  الرغبة المدفوعة بطلب فرنسي يتيم قد لا تجد طريقا على أرض الواقع في ظلّ الهيمنة الامريكية على القرار الاوروبي الذي فضحته الأزمة الاوكرانية حيث تملي واشنطن طلباتها  على الأوروبيين لمعاقبة عدوّتها موسكو.
لا شك ان الاوربيين اليوم أمام مرحلة مفصلية، فإما أخذ العبرة والتمرّد على التبعية الأمريكية وبناء اوروبا اقتصادية وعسكرية جديدة أو البقاء تحت المظلّة الامريكية التي تستعملهم رأس حربة في مصالحها الخاصة.
بدرالدّين السّيّاري
 

تعليقات الفيسبوك