مع الشروق.. تُونس والحرب... واستخلاص الدُّروس والعِبرْ
تاريخ النشر : 07:00 - 2022/03/04
بالتوازي مع حرب تدور رحاها على بعد أكثر من 3 آلاف كيلومتر عن بلادنا، تزداد من يوم لآخر حدة المخاوف في تونس من أزمة معيشية منتظرة بسبب ما ستشهده السوق العالمية للغذاء والمحروقات من ارتباك في التزويد وارتفاع في الأسعار سينعكسان حتما على السوق الداخلية. ومن الطبيعي أن تتفاقم المخاوف والهواجس في دولة تستورد حوالي 70 بالمائة من حاجياتها من الحبوب أغلبها من أوكرانيا وروسيا، وتستورد أيضا أغلب حاجياتها من النفط الذي تجاوز سعره عتبة 110 دولارا، وتتعرض لضغوطات من صندوق النقد الدولي للتقليص من دعم المادتين.
وبقدر ما يمثله هذا الافراط في توريد الحبوب والنفط من استنزاف كبير للعملة الصعبة، فإنه لا يمكن تصنيفه إلا في خانة "التبعيّة" و"الارتهان" للخارج، بما أن الامر يتعلق بأهم مادتين حساستين تهمّان الأمن القومي الغذائي والطاقي. وهو ما يؤكد أن تونس قد تصبح في قادم الأيام على قاب قوسين أو أدنى من أزمة غذاء ومحروقات وشيكة خصوصا في ظل وضع مالي صعب تمرّ به الدولة قد يجعلها غير قادرة على تحمل منافسة شرسة مع بقية الدول للشراء بأسعار مرتفعة من الأسواق العالمية أو لتحمل المضاربة المنتظرة فيها.
وما كان لهذه الحرب أن تثير بين سكان "مطمور روما" كل هذه المخاوف لو عملت الدولة منذ سنوات على التخلي عن خيار "التبعية" الغذائية والطاقية وقطعت مع تقليد سيء دأب عليه الحُكام والمسؤولين وهو "استسهال" توريد الغذاء والنفط من الخارج و"الانتشاء " بالارتهان لتقلبات الأسواق العالمية، وعولت في المقابل على قدراتها وامكاناتها الذاتية لتحقيق الاكتفاء الغذائي والامن الطاقي. ورغم أن الدولة أضاعت على امتداد السنوات الماضية الوقت والجهد والفرص المتاحة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، إلا أن التدارك مازال ممكنا على المدى القصير والمتوسط..
لا خيار اليوم أمام بلادنا للقطع مع هذا الارتهان للخارج وهذه التبعية الغذائية غير الاستفاقة من غفوة لازمتنا على مرّ السنين ومنعتنا من تثمين ما يتوفر في بلادنا من أراض خصبة وشاسعة ومن تقاليد تاريخية وعريقة في الإنتاج الفلاحي قادرة على تحقيق اكتفائنا الغذائي الذاتي. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عبر استراتيجية شاملة لتطوير القطاع الفلاحي تدعم الفلاح وتشجعه وتحميه من المضاربة والاحتكار وتوفر له البذور والأسمدة والأعلاف والمبيدات بتكاليف معقولة وتثمن الأراضي الدولية الشاسعة وخاصة المُهملة منها لتكثيف زراعات الحبوب والاعلاف..
ولا مفر أمام الدولة لتحقيق الامن الطاقي ووقف التبعية الطاقية للخارج غير محاربة كل أشكال "التخاذل" و"التلكؤ" التي ميزت عمل المسؤولين طيلة الأعوام الماضية في التوجه نحو خيار الطاقات البديلة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوضع حدّ ل"لوبيات" ظلت على امتداد سنوات تعطل هذا الخيار من أجل مصالحها الضيقة وبفرض استغلال الثروات الطبيعية المتوفرة ببلادنا من شمس ورياح وغيرها للتخفيف من تكاليف الطاقة التقليدية في الأسواق العالمية.
فبذلك، يمكن أن تتحول أزمة مُخلفات الحرب الروسية الأوكرانية على أمننا الغذائي والطاقي إلى دافع نستمد منه القوة لإعادة البناء وللتوقي من خطر تأثير الأزمات الدولية على معيشتنا ومن "مذلة" الارتهان للخارج. فبقدر ما كانت أزمة كورونا على امتداد العامين الماضيين مأساة لم تعرف البشرية لها مثيلا، إلا أنها مثّلت في المقابل فرصة استخلصت منها الدول الدروس والعبر وحولتها إلى دافع جديد لتطوير القدرات الذاتية وتحسين الإمكانات وإعادة البناء في مختلف المجالات.. فربُّ ضارة نافعة..
فاضل الطياشي
بالتوازي مع حرب تدور رحاها على بعد أكثر من 3 آلاف كيلومتر عن بلادنا، تزداد من يوم لآخر حدة المخاوف في تونس من أزمة معيشية منتظرة بسبب ما ستشهده السوق العالمية للغذاء والمحروقات من ارتباك في التزويد وارتفاع في الأسعار سينعكسان حتما على السوق الداخلية. ومن الطبيعي أن تتفاقم المخاوف والهواجس في دولة تستورد حوالي 70 بالمائة من حاجياتها من الحبوب أغلبها من أوكرانيا وروسيا، وتستورد أيضا أغلب حاجياتها من النفط الذي تجاوز سعره عتبة 110 دولارا، وتتعرض لضغوطات من صندوق النقد الدولي للتقليص من دعم المادتين.
وبقدر ما يمثله هذا الافراط في توريد الحبوب والنفط من استنزاف كبير للعملة الصعبة، فإنه لا يمكن تصنيفه إلا في خانة "التبعيّة" و"الارتهان" للخارج، بما أن الامر يتعلق بأهم مادتين حساستين تهمّان الأمن القومي الغذائي والطاقي. وهو ما يؤكد أن تونس قد تصبح في قادم الأيام على قاب قوسين أو أدنى من أزمة غذاء ومحروقات وشيكة خصوصا في ظل وضع مالي صعب تمرّ به الدولة قد يجعلها غير قادرة على تحمل منافسة شرسة مع بقية الدول للشراء بأسعار مرتفعة من الأسواق العالمية أو لتحمل المضاربة المنتظرة فيها.
وما كان لهذه الحرب أن تثير بين سكان "مطمور روما" كل هذه المخاوف لو عملت الدولة منذ سنوات على التخلي عن خيار "التبعية" الغذائية والطاقية وقطعت مع تقليد سيء دأب عليه الحُكام والمسؤولين وهو "استسهال" توريد الغذاء والنفط من الخارج و"الانتشاء " بالارتهان لتقلبات الأسواق العالمية، وعولت في المقابل على قدراتها وامكاناتها الذاتية لتحقيق الاكتفاء الغذائي والامن الطاقي. ورغم أن الدولة أضاعت على امتداد السنوات الماضية الوقت والجهد والفرص المتاحة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، إلا أن التدارك مازال ممكنا على المدى القصير والمتوسط..
لا خيار اليوم أمام بلادنا للقطع مع هذا الارتهان للخارج وهذه التبعية الغذائية غير الاستفاقة من غفوة لازمتنا على مرّ السنين ومنعتنا من تثمين ما يتوفر في بلادنا من أراض خصبة وشاسعة ومن تقاليد تاريخية وعريقة في الإنتاج الفلاحي قادرة على تحقيق اكتفائنا الغذائي الذاتي. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عبر استراتيجية شاملة لتطوير القطاع الفلاحي تدعم الفلاح وتشجعه وتحميه من المضاربة والاحتكار وتوفر له البذور والأسمدة والأعلاف والمبيدات بتكاليف معقولة وتثمن الأراضي الدولية الشاسعة وخاصة المُهملة منها لتكثيف زراعات الحبوب والاعلاف..
ولا مفر أمام الدولة لتحقيق الامن الطاقي ووقف التبعية الطاقية للخارج غير محاربة كل أشكال "التخاذل" و"التلكؤ" التي ميزت عمل المسؤولين طيلة الأعوام الماضية في التوجه نحو خيار الطاقات البديلة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوضع حدّ ل"لوبيات" ظلت على امتداد سنوات تعطل هذا الخيار من أجل مصالحها الضيقة وبفرض استغلال الثروات الطبيعية المتوفرة ببلادنا من شمس ورياح وغيرها للتخفيف من تكاليف الطاقة التقليدية في الأسواق العالمية.
فبذلك، يمكن أن تتحول أزمة مُخلفات الحرب الروسية الأوكرانية على أمننا الغذائي والطاقي إلى دافع نستمد منه القوة لإعادة البناء وللتوقي من خطر تأثير الأزمات الدولية على معيشتنا ومن "مذلة" الارتهان للخارج. فبقدر ما كانت أزمة كورونا على امتداد العامين الماضيين مأساة لم تعرف البشرية لها مثيلا، إلا أنها مثّلت في المقابل فرصة استخلصت منها الدول الدروس والعبر وحولتها إلى دافع جديد لتطوير القدرات الذاتية وتحسين الإمكانات وإعادة البناء في مختلف المجالات.. فربُّ ضارة نافعة..
فاضل الطياشي
