مع الشروق.. نفقات الدولة واستنزاف المال العام

مع الشروق.. نفقات الدولة واستنزاف المال العام

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/01/01

تكشف التقارير والدراسات أن حجم نفقات الدولة ما انفك يرتفع من سنة إلى أخرى مقابل ركود في الموارد وفي إنتاج الثروة مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي واختلال توازنات المالية العمومية. فعجز الميزانية ارتفع موفى العام الماضي إلى 8 فاصل 3 بالمائة وحجم الدين العمومي أصبح يناهز حوالي 86 بالمائة من الناتج. وفي المقابل، وباستثناء العائدات الجبائية، ظلت موارد الميزانية ضعيفة رغم الإمكانات المتاحة لإنتاج الثروة.
تعلم الدولة جيدا ان كل نفقاتها ما انفكت تشهد من سنة إلى أخرى وإلى حدود العام المنقضي ارتفاعا متواصلا أبرزها نفقات التأجير ونفقات التسيير ونفقات الدعم (المحروقات والمواد الأساسية والنقل) ونفقات العمليات المالية والتمويل والتدخلات المختلفة مقابل ضعف المداخيل. لكن رغم ذلك لم تعبر أي من الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية عن إرادة حقيقية لترشيد النفقات وإيقاف نزيف المال العام وتحسين العائدات المالية.
وعلى امتداد العشرية الماضية أصبحت تونس دولة تُنفق كثيرا في مجال التوريد مقابل ضعف ملحوظ في الصادرات وهو ما فاقم عجز الميزان التجاري. كما أن نفقات الدعم أصبحت أكبر مستنزف للمال العام نتيجة عدم وجود إرادة حقيقية لاصلاح هذه المنظومة وتوجيه الدعم نحو مستحقيه. وانضافت لذلك نفقات تمويل البنوك والمؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية المفلسة التي أصبحت عبئا على الميزانية بدل أن توفر لها عائدات مالية كما في كل الدول.
وما فاقم نفقات الدولة في السنوات الأخيرة هي سياسة الانتدابات العشوائية والمفرطة في القطاع العام وهو ما ضخّم كتلة الأجور العمومية فضلا عن الامتيازات والمنح غير المدروسة ونفقات التسيير المرتفعة ونفقات السيارات الإدارية والوقود. وقد أدى كل ذلك إلى ارتفاع مديونية الدولة بعد أن أصبحت القروض التي تحصل عليها الدولة موجهة لخلاص هذه النفقات بدل توجيهها نحو الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وإنتاج الثروة.
اليوم، لا خيار أمام الدولة للمحافظة على حد أدنى من التوازنات المالية العمومية وللحد من عجز الميزانية والتحكم في المديونية غير اتباع سياسة تقشف حقيقية تشمل مختلف النفقات على غرار التقليص من الواردات غير الضرورية وترشيد سياسة الدعم من خلال الاقتصار على توجيهه فقط نحو مستحقيه حتى لا تستفيد من المواد المدعومة مافيات الفساد والاحتكار و المضاربة ولا تستغلها بعض الأطراف لتحقيق أرباح تجارية.
ومن الخيارات الأخرى المطلوبة اليوم بإلحاح مزيد ترشيد نفقات الدولة في مجال تسيير وحوكمة وإدارة القطاع العام بجميع مكوناته وذلك عبر إحكام محاربة الفساد والتصدي لكل أشكال التلاعب بالمال العام خاصة عبر النفقات المشبوهة والصفقات العمومية المثيرة للشكوك إلى جانب ضرورة ادخال إصلاحات على نفقات التأجير العمومي من خلال إعادة توزيع الموارد البشرية لتحقيق الاستفادة منها والتقشف في مجال المنح والامتيازات. ولا يمكن للدولة أن تُقلص من نفقاتها دون اتباع ترشيد "فاتورة" الطاقة وذلك عبر التوجه بسرعة نحو الطاقات البديلة والضرب بقوة على أيادي كل من يحاول عرقلة هذا الخيار. كما أن تعميم الرّقمنة والخدمات عن بعد في مختلف الإدارات أصبح خيارا مطروحا بقوة بالنظر إلى دوره الكبير في تقليص نفقات التنقل والوقود والسيارات الإدارية والورق.. أما إذا ما واصلت الدولة التعاطي مع ملف التقشف وترشيد النفقات بارتباك وضعف وبأياد مرتعشة فإن عجز الميزانية سيتفاقم أكثر وعندئذ سيصعب التدارك والإصلاح..
فاضل الطياشي    

تعليقات الفيسبوك