مع الشروق.. ميزانية الدولة... و«ترهيب» المواطن

مع الشروق.. ميزانية الدولة... و«ترهيب» المواطن

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/12/24

ككل نهاية عام، تأتي التسريبات حول قانون المالية الجديد لتبث الخوف و"الرعب" بين المواطنين ولتعلن جملة من الإجراءات التي توحي باستهداف معيشة المواطن وقُوتهُ ومقدرته الشرائية.. تسريبات لا تنفيها ولا تؤكدها وزارة المالية أو رئاسة الحكومة وهو ما يوحي بأنها بمثابة "بالون اختبار" لقياس ردّة فعل الناس قبل تفعيلها ضمن النص النهائي للقانون أو التخلي عنها.
لم يختلف حال المواطن هذه الأيام عن حاله في الأيام الأخيرة من كل عام من الأعوام الماضية.. فالدولة لم تُغيّر سياستها "البائسة" التي تعتمد على تسريبات الترهيب وشائعات التخويف اعتقادا منها أن ذلك يمثل وسيلة ضغط على المواطن لوضعه دائما "تحت السيطرة" وجعل أقصى طموحه هو أن تتراجع الدولة عن الإجراءات المُسربة فلا يُطالب بإجراءات أخرى لفائدته..
وقد تنوعت في الأيام الأخيرة التسريبات حول قانون المالية الجديد وكان أغلبها يندرج في "باب" الترفيع في تكلفة المعيشة وإثقال كاهل الفاعلين الاقتصاديين من مؤسسات وتجار وغيرهم : زيادة في معلوم جولان السيارات وترفيع في أسعار الكهرباء والوقود والماء وغيرها من السلع والتخلي عن دعم بعض المواد الأساسية وتوظيف معاليم جبائية جديدة..
وبقطع النظر عما سيؤول إليه القرار النهائي حول هذه التسريبات ضمن النص الرسمي لقانون المالية، فقد مثلت الاجراءات المعلنة كابوسا مخيفا لكثيرين بما أنها ستُفاقم في صورة إقرارها معاناتهم من الصعوبات المعيشية التي أصبحت لا تُطاق. فأسعار مختلف المواد تشهد بطبعها ارتفاعا غير مسبوق، فضلا عن غياب بعض السلع من السوق كالأدوية والبيض والسميد والسكر والزيت النباتي..
وقد أصبح كل ذلك يتسبب من يوم إلى آخر في حالة من التململ والاحتقان الاجتماعي وعدم الرضا لدى شق كبير من التونسيين عمّا آل إليه وضعهم المعيشي. وهو ما يعني أن أي اجراء آخر يستهدف تكاليف المعيشة سيكون بمثابة صب الزيت على النار لأن طاقة التحمّل بلغت أقصاها وعجز كثيرين عن توفير نفقات الغذاء والعلاج والسكن ودراسة الأبناء أصبح واضحا للعيان..
والمثير لإستغراب وحيرة المواطن هو أن وزارة المالية ما انفكت "تجترّ" من عام لآخر العجز تلو العجز عن استنباط آليات وحلول جديدة لتعبئة موارد الميزانية. فتفكير المسؤولين عن إعداد الميزانية "يتوقف" كل عام عند الحلول السهلة والتقليدية التي تعتمد على وضع شق كبير من المواطنين، كالأجراء وأصحاب السيارات وأصحاب العائلات وغيرهم، أمام الأمر الواقع عبر إجبارهم على دفع معاليم وضرائب لا مناص منها أو على تحمل زيادات في بعض الأسعار..
وما يثير الاستغراب أكثر، هو عجز الدولة ككل ووزارة المالية على وجه الخصوص عن التوجّه إلى الحلول الممكنة والمتاحة التي يتحدث عنها الجميع لتعبئة موارد الميزانية. من ذلك مثلا استهداف المتهربين من الضرائب أو الذين يدفعون ضرائب لا تناسب أرباحهم أو أصحاب الثروات الناشطين في القطاع الموازي واتباع سياسة تقشف حقيقية لنفقات الدولة وترشيد التوريد والتوجه نحو الطاقات البديلة للضغط على تكاليف الطاقة..
لن يقبل المواطن اليوم - بقطع النظر عن صحة التسريبات المذكورة من عدمها - مزيدا من "التنكيل" بمعيشته، ولن يرضى بإجراءات تستهدفه هو فقط ولا تُخفف عنه العبء ولا تُطور معيشته نحو الأفضل .. وهو ما يؤكد ضرورة توجه الدولة نحو البحث عن حلول أخرى لتعبئة موارد الميزانية بعيدا عن "جيب" المواطن وعن معيشته "المُنكّل بها" بطبعها ودون ترهيبه وتخويفه بالتسريبات ودون دفعه نحو منزلق الاحتقان والتململ والغضب..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك