مع الشروق.. انسحاب أمريكا وانتصار طالبان: فصل جديد في لعبة الأمم؟

مع الشروق.. انسحاب أمريكا وانتصار طالبان: فصل جديد في لعبة الأمم؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/08/18

اهتزّ العالم منذ يومين على وقع سقوط العاصمة الأفغانية ـ كابل ـ في أيدي مقاتلي حركة طالبان... سقوط يأتي ليطوي صفحة الاحتلال الأمريكي - الغربي لهذا البلد ووقوعه بالكامل تحت سيطرة حركة طالبان.
وللتاريخ فإن أمريكا في عهد بوش الابن كانت ركبت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 لتتهم تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من أفغانستان مقرا وحركة طالبان بالوقوف وراء تفجير البرجين.
وقد جيشت الجيوش والأساطيل لغزو هذا البلد وطرد حركة طالبان من السلطة قبل أن يعمد بوش و«شلته» إلى دحرجة كرة النار باتجاه العراق لغزوه واحتلاله بتعلة محاربة الإرهاب على خلفية علاقة مزعومة وموهومة ولا توجد إلا في عقل بوش المريض بين نظام صدام وتنظيم القاعدة.
وبالفعل تمكنت القوات الأمريكية من طرد طالبان من العاصمة كابل لتبدأ مرحلة طويلة من الكر والفرّ بين القوات الأمريكية الداعمة لصنائع لها من أفغانستان وحركة طالبان التي استنزفت أمريكا سواء على مستوى إنفاقها على تكوين جيش أفغاني قادر على مسك البلاد حيث وصلت الفاتورة إلى قرابة 100 مليار دولار لتقبض أمريكا الريح في نهاية المطاف... أو على مستوى الخسائر البشرية والمادية حيث ظلّت الساحة الأفغانية بمثابة الجرح الأمريكي المفتوح الذي انتهى بإقناع إدارة بايدن بضرورة تغيير الاستراتيجيات والتكتيكات وبالتالي إعلان الانسحاب من أفغانستان كوعد انتخابي أطلقه المرشح جو بايدن في أفريل الماضي حين أكد أنه سيعمل على سحب قوات بلاده من أفغانستان مع موفى شهر أوت الحالي إيذانا بوضع حد لهذه الحرب التي بات يصفها بالعبثية وبالحرب التي لا أفق لها... وهو ما دفعه إلى الإقدام على خطوة الانسحاب تماهيا مع وعده الانتخابي.
لكن، هل أن هذا الانسحاب جاء لمجرّد البرّ بوعد انتخابي أم نتيجة للتغيير في السياسات والاستراتيجيات وبالتالي في الأهداف الأمريكية؟
ساذج من يعتقد أن الإدارة الأمريكية تحرّكها الوعود أو العواطف وتتحكم فيها وفي سياساتها فواتير الغزوات أو الخسائر البشرية التي يمكن أن تلحق بالشعوب المستهدفة مثل الشعبين الأفغاني والعراقي... وساذج من يعتقد بأن سيناريو سقوط أفغانستان بالكامل لم يكن متوقعا أمريكيا وغربيا وأطلسيا رغم تواتر التصريحات وحملات التباكي على سرعة انهيار القوات النظامية الأفغانية.
وساذج من يعتقد بأن هذا الانسحاب ليس مدروسا وبأن اكتساح حركة طالبان لم يكن متوقعا. ذلك أن أمريكا بما هي وبما تملكه من قوة غاشمة ومن أجهزة مخابرات ومن مراكز أبحاث ودراسات وسطوتها وهيمنتها على العالم قادرة على «احتساب دبيب النملة» وقادرة أيضا على التدخل ولو من وراء الحجب للتحكم في نسق حركة النملة وفي توجيهها إلى حيث تخدم السياسات والأهداف الأمريكية التي عادة ما تخفيها الإدارات الأمريكية وراء شعارات من قبيل محاربة الإرهاب أو «تحرير الدول» من نير الدكتاتورية أو التدخلات لاعتبارات إنسانية. وهذه شعارات لا يكتشف العالم حقيقتها إلا بعد أن تكون «الدابة الأمريكية» قد حققت أهدافها...
فهل كان صدفة سقوط كابل وكامل أفغانستان بهذه الطريقة «الهوليودية»؟ وهل كان ممكنا أن ينهار كل شيء وتكتسح طالبان بلادا في حجم أفغانستان في ظرف أيام معدودة لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها؟ هذا التساؤل يأخذنا إلى اتجاهين:
ـ الأول يتمثل في سلسلة المفاوضات التي انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة، وضمت وفودا من طالبان وأمريكا والنظام الأفغاني وهي مفاوضات إلى جانب الأوضاع على الميدان دفعت أمريكا إلى خلاصات أهمها أن هزم طالبان أمر مستحيل وأن احتواء الحركة يصبح أقل كلفة وأجدى من الاصطدام بها.
ـ أما الاتجاه الثاني فيحدده تغيير في الاستراتيجيات والأولويات الأمريكية. تغيير لم يتحرج الرئيس بايدن في الإشارة إليه ولو بطريقة ملتوية حين أكد في سياق تبريره لقرار الانسحاب أنه لم يعد مقبولا أن تواصل أمريكا في استنزاف قدراتها المادية والبشرية إلى ما لا نهاية في حين يتلذذ المنافسان الروسي والصيني بمشاهدة أمريكا وهي تغرق في المستنقع الأفغاني.
عند هذه النقطة تكون قد التقت حقائق الميدان مع ضرورات الجيوستراتيجيا وما يقتضيه الصراع على زعامة العالم وتكريس انفراد أمريكا بقيادة العالم وقطع الطريق على الصين وروسيا ليصبح الانسحاب الأمريكي مفهوما.. وليصبح اكتساح طالبان للبلاد من قبيل أدنى الشرور.. ولعله يكون بمثابة الشوك الذي سيزرع في خاصرة الصين وروسيا والجمهوريات الإسلامية بعد أن تهاطل الدواعش منذ شهور إلى أفغانستان.. وبعد أن انتهت مقاولة الإرهاب في سوريا بهزيمة مدوية للإرهابيين ولوكلائهم الإقليميين والدوليين... وبعد أن أصبح مطلوبا وممكنا ربما فتح مقاولات جديدة في الساحات الصينية والروسية أساسا... طالما أن الإرهابيين بنادق للإيجار وبالإمكان ترويضهم بالسلطة وبالمال وبالسلاح!
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك