مع الشروق...حروب المواقع والخنادق... تهدّد الحوار الوطني
تاريخ النشر : 08:00 - 2020/12/02
تتعدّد الدعوات إلى حوار وطني. وتتنوّع المبادرات وتختلف باختلاف الأطراف الواقفة خلفها. وهي دعوات ومبادرات تستبطن وجود أزمة مستحكمة وتعتقد أن الحوار كفيل بحلحلة الأمور وإيجاد قواسم مشتركة يمكن على أساسها رسم مخارج من هذه الأزمة.
أما من حيث التشخيص فهو صحيح وكل الأطراف تقريبا تضع الاصبع على مواطن الداء وهي كثيرة. ذلك أن مظاهر الأزمة التي تردت فيها البلاد قد تشبّع بها الجميع على مدار عشر سنوات تقريبا. وبات كل مواطن تونسي يدرك تفاصيلها ويكتوي بنيرانها. وهي تتوزع بين ركود اقتصادي كامل وانهيار مالي شامل وعجز كامل للدولة عن الاستجابة لطلبات التشغيل والتنمية التي يلهج بها المواطنون في كل الجهات.. علاوة على مديونية بلغت معدلات مخيفة وباتت بأرقامها وبما تفرضه من خدمة للدين تشكل عبءا كبيرا يئن بحمله الشعب بأسره. حتى أن كل مواطن تونسي من أصغر رضيع إلى أكبر كهل يجد نفسه مثقلا بقرابة 9 آلاف دينار دينا للأطراف والجهات المقرضة.
وإذا كان التونسيون، مواطنين ومختصين وخبراء وأحزابا يتفقون تقريبا في تشخيص مظاهر الأزمة، فإن الطامة الكبرى تحدث عند وضع وصفات الانقاذ وعند التطرق إلى سبل الانقاذ ومستلزمات هذه العملية. والمؤشرات على صعوبة المهمة كثيرة ومتنوعة. وهي ما فتئت تعبّر عن نفسها منذ انطلاق الدعوات إلى حوار وطني لإيجاد المخارج الكفيلة بإنقاذ البلاد والعباد. ذلك أن الخلافات والصراعات بدأت تخرج من التفاصيل لتبدأ الاشتراطات والمماحكات والتجاذبات بشكل ينذر بنسف هذا الحوار حتى قبل انطلاقه.
وبالفعل فإن حروب المواقع والخنادق تجد في هذا الحوار فرصة مواتية لفرز الجبهات وإذكاء الصراعات. وبالنتيجة فإن كل مبادرة سوف تقصي أطرافا لتجمع في الأخير جزءا من التونسيين وطيفا من الأحزاب والمنظمات الوطنية فقط.. وهو ما سوف يخلّف غاضبين لن يترددوا في تحريك بيادقهم لنسف هذا الحوار من أسسه أو لتعطيله ومنعه من بلوغ منتهاه في أدنى الحالات.. في الأخير سيجد الجميع أنفسهم في المربع الأول بعدأن تكون مبادرة الحوار الوطني قد أفرغت من مضامينها وتحولت إلى مجرد ساحة أخرى للتجاذبات ومزاد لتداول الشعارات السياسية..
ولعل الاشكال الكبير الذي يعترض دعوات ومبادرات الحوار هذه على افتراض أنها صادقة وخالصة لوجه الوطن، يكمن في إيجاد شخصية جامعة تملك من المصداقية ومن الاشعاع الوطني ما يجعلها ترتفع فوق كل الصراعات والتجاذبات والألوان الحزبية والسياسية. شخصية تحظى بالاجماع وتقف على نفس المسافة من كل الأطراف وتكون لديها من الذكاء ومن المرونة ومن الخبرة السياسية ما يمكنها من أن تكون قريبة للجميع ومسموعة من كل الأطراف. وحتى رئيس الدولة الذي يفترض فيه أن يتقمص دور هذه الشخصية المجمعة وأن يلعب دور الموحد للإرادات فإنه انخرط في لعبة تفريق التونسيين وفي التأسيس لاقصاء هذا الطرف أو ذاك. رئيس الدولة لا يريد أن يكون رئيسا لكل التونسيين وهو ما يفقده آليا تلك المصداقية التي يحتاجها لإدارة حوار يراد له أن يكون وطنيا ويُراد لمخرجاته أن تحترم من الجميع..
ان أي حوار وطني لن ينجح إلا إذا كان وطنيا وجامعا.. وإذا نجحنا في وضع الاطار الجامع لكل أطرافه والآليات الكفيلة بتطبيق مخرجاته.. كما أنه لن ينجح إلا بذوبان كل الألوان الحزبية والسياسية وبالانتصار للمصلحة العليا للوطن.. وليس لمصحلة الأحزاب والأشخاص.
عبد الحميد الرياحي
تتعدّد الدعوات إلى حوار وطني. وتتنوّع المبادرات وتختلف باختلاف الأطراف الواقفة خلفها. وهي دعوات ومبادرات تستبطن وجود أزمة مستحكمة وتعتقد أن الحوار كفيل بحلحلة الأمور وإيجاد قواسم مشتركة يمكن على أساسها رسم مخارج من هذه الأزمة.
أما من حيث التشخيص فهو صحيح وكل الأطراف تقريبا تضع الاصبع على مواطن الداء وهي كثيرة. ذلك أن مظاهر الأزمة التي تردت فيها البلاد قد تشبّع بها الجميع على مدار عشر سنوات تقريبا. وبات كل مواطن تونسي يدرك تفاصيلها ويكتوي بنيرانها. وهي تتوزع بين ركود اقتصادي كامل وانهيار مالي شامل وعجز كامل للدولة عن الاستجابة لطلبات التشغيل والتنمية التي يلهج بها المواطنون في كل الجهات.. علاوة على مديونية بلغت معدلات مخيفة وباتت بأرقامها وبما تفرضه من خدمة للدين تشكل عبءا كبيرا يئن بحمله الشعب بأسره. حتى أن كل مواطن تونسي من أصغر رضيع إلى أكبر كهل يجد نفسه مثقلا بقرابة 9 آلاف دينار دينا للأطراف والجهات المقرضة.
وإذا كان التونسيون، مواطنين ومختصين وخبراء وأحزابا يتفقون تقريبا في تشخيص مظاهر الأزمة، فإن الطامة الكبرى تحدث عند وضع وصفات الانقاذ وعند التطرق إلى سبل الانقاذ ومستلزمات هذه العملية. والمؤشرات على صعوبة المهمة كثيرة ومتنوعة. وهي ما فتئت تعبّر عن نفسها منذ انطلاق الدعوات إلى حوار وطني لإيجاد المخارج الكفيلة بإنقاذ البلاد والعباد. ذلك أن الخلافات والصراعات بدأت تخرج من التفاصيل لتبدأ الاشتراطات والمماحكات والتجاذبات بشكل ينذر بنسف هذا الحوار حتى قبل انطلاقه.
وبالفعل فإن حروب المواقع والخنادق تجد في هذا الحوار فرصة مواتية لفرز الجبهات وإذكاء الصراعات. وبالنتيجة فإن كل مبادرة سوف تقصي أطرافا لتجمع في الأخير جزءا من التونسيين وطيفا من الأحزاب والمنظمات الوطنية فقط.. وهو ما سوف يخلّف غاضبين لن يترددوا في تحريك بيادقهم لنسف هذا الحوار من أسسه أو لتعطيله ومنعه من بلوغ منتهاه في أدنى الحالات.. في الأخير سيجد الجميع أنفسهم في المربع الأول بعدأن تكون مبادرة الحوار الوطني قد أفرغت من مضامينها وتحولت إلى مجرد ساحة أخرى للتجاذبات ومزاد لتداول الشعارات السياسية..
ولعل الاشكال الكبير الذي يعترض دعوات ومبادرات الحوار هذه على افتراض أنها صادقة وخالصة لوجه الوطن، يكمن في إيجاد شخصية جامعة تملك من المصداقية ومن الاشعاع الوطني ما يجعلها ترتفع فوق كل الصراعات والتجاذبات والألوان الحزبية والسياسية. شخصية تحظى بالاجماع وتقف على نفس المسافة من كل الأطراف وتكون لديها من الذكاء ومن المرونة ومن الخبرة السياسية ما يمكنها من أن تكون قريبة للجميع ومسموعة من كل الأطراف. وحتى رئيس الدولة الذي يفترض فيه أن يتقمص دور هذه الشخصية المجمعة وأن يلعب دور الموحد للإرادات فإنه انخرط في لعبة تفريق التونسيين وفي التأسيس لاقصاء هذا الطرف أو ذاك. رئيس الدولة لا يريد أن يكون رئيسا لكل التونسيين وهو ما يفقده آليا تلك المصداقية التي يحتاجها لإدارة حوار يراد له أن يكون وطنيا ويُراد لمخرجاته أن تحترم من الجميع..
ان أي حوار وطني لن ينجح إلا إذا كان وطنيا وجامعا.. وإذا نجحنا في وضع الاطار الجامع لكل أطرافه والآليات الكفيلة بتطبيق مخرجاته.. كما أنه لن ينجح إلا بذوبان كل الألوان الحزبية والسياسية وبالانتصار للمصلحة العليا للوطن.. وليس لمصحلة الأحزاب والأشخاص.
عبد الحميد الرياحي
