مع الشروق..عفـــوا ..صاحبـــة الجلالـــــة !

مع الشروق..عفـــوا ..صاحبـــة الجلالـــــة !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/05/11

تمر الصحافة الورقية - الأصل في الإعلام - بمرحلة خطيرة لم تشهدها من قبل ، فصاحبة الجلالة" تتخلى من يوم إلى آخر عن لقبها وتاجها لفائدة الفضائيات والإذاعات وخاصة "الأنترنات " المنفذة الحقيقية  لمذبحة الصحافة المكتوبة .
فالأنترنات وما تتيحه من إمكانية استخدام الصحافة الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي ، والسرعة في نقل المعلومات وتدفق الأخبار، تحرص على تحويل الصحافة الورقية إلى صحافة كلاسيكية بل الحلقة الأضعف في الإعلام ..
والصحافة المكتوبة بتاريخها العريق، وبعد أن سيطرت على الرأي العام المحلي والعالمي لقرون فتحت فيها أبوابا مغلقة ، وجمعت بين الدور الثقافي والاجتماعي والترفيهي والسياسي والاقتصادي لعقود ، صارعت وتصارع اليوم حتى لا تفقد صفة "المايسترو" في فرقة سمفونية لتتحول إلى عازف متشرد على قارعة الطريق .
صحيح أن أزمة "الورقية" عالمية، وأن بعض الصحف "جفت أقلامها" فأقفلت غرف تحريرها وأوصدت أبواب مطابعها ، والصامد منها "على شفا حفرة من نار" الغلق لكنه واقف على رجليه بدعم دول يؤمن صناع القرار فيها  أن الصحافة ليست مجرد سلعة معروضة في "كشك" في زحمة المدينة ، بل هي تاريخ وذاكرة وقيمة كبرى من قيم الدولة والمجتمع ، ويكفي أن نذكر ان أول صحيفة تونسية – الرائد التونسي – تأسست سنة 1860.. 
ما جرني إلى الكتابة في الموضوع الذي أفاض فيه الزملاء، هو المجلس الوزاري المضيق الأخير ، الذي خرج بقرارات في "واد غير ذي زرع"  تعمل على مزيد "التضييق" على الصحافة المكتوبة التي تقاوم الأمواج العاتية بلا قلاع ..
فالمخرجات جاءت صادمة  و لا تتعدى محاولة دق المسمار الأخير في نعش الصحافة الورقية .. بعض الزملاء المحترمين التمسوا للمجلس الوزاري المضيق عذرا وقالوا الفخفاخ " غلطوه " بتقارير استأنس بها فجرته إلى السير في جنازة الصحافة المكتوبة بلا دموع .
عفوا صاحبة الجلالة ، ما كان لي أن أتحدث عن جنازتك ومن ورائك تاريخ وأقلام شريفة صامدة مدافعة .. عفوا، قلت جنازتك لأن القائمين على وطني "ما قدروا الصحافة المكتوبة حق قدرها" وما استوعبوا بعد أنك كالصحة والتعليم والنقل التي على الدولة أن ترعاها لأنها إن انهارت فإن قطاعات أخرى ستنهار تحت جنح الظلام  . 
عفوا صاحبة الجلالة ، لم نعمل نحن الصحفيين على إنعاشك وأنت تحتضرين ، واكتفينا بالنظر إليك وهم ينزعون عنك جرعات "الأوكسيجين" كمصاب كورونا لا يرجى برؤه ..عفوا صاحبة الجلالة لم نبرز صلة الرحم بينك وبين الديمقراطية والتنوع وحكم الشعب للشعب ..ولم نحرص على تطويرك ودمجك مع ثورة تكنولوجيا المعلومات واكتفينا بمتابعة تدوينة رديئة وخبر مريض يفتقد الدقة والموضوعية والمصداقية والمسؤولية الاجتماعية والوطنية .
عفوا صاحبة الجلالة ما قدرناك حق قدرك فسمحنا لكل من يكتب حرفا معوجا ومنحنيا أن يصبح صحفيا أو مراسلا معتمدا  .. عفوا صاحبة الجلالة سنعمل بكل الوسائل المتاحة والمشروعة للدفاع عنك بل للدفاع عن قيم الدولة والمجتمع ..عن الذاكرة الوطنية وعن التاريخ..
راشد شعور 

تعليقات الفيسبوك