غابت عنهم الرعاية النفسية والمرافقة الحقوقية..معاناة مرضى الكورونا في تونس

غابت عنهم الرعاية النفسية والمرافقة الحقوقية..معاناة مرضى الكورونا في تونس

تاريخ النشر : 11:34 - 2020/04/26

يواجه المصابون بفيروس كورونا في تونس وصم وعنف اجتماعي يكاد يطالب بـ«إِفْرَادِهِمْ إفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبَّدَ». وهكذا أصبحت الإصابة اثنتان إصابة أولى بالفيروس واصابة ثانية نفسية تغيب عنها الرعاية والمرافقة الحقوقية.


تونس/الشروق
يقول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته "إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِيرَة كُلَّهَا/ وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ" والمقصود بإفراد البعير المعبّد هو ابعاد البعير المصاب بالجرب عن القطيع كي لا تنتقل العدوى فيه ويُقال تاريخيا إنّ الجمل الاجرب كان يلوّن بالأسود كي يُفرد بين باقي القطيع ويُترك بعيدا عنهم كي لا يعديهم. 
هذه الأحقاد ظهرت بين التونسيين خلال الرحلة مع وباء كورونا ليلاحق الوصم الاجتماعي والعنف المصابون بالفيروس واسرهم وليلاحق أيضا ضحاياه ممن تمّ التعرّض لعملية دفنهم... وضع خلّف جبل من "أحقاد الجمل الأجرب" في قلوب المتعافين. 


العنف... في المستشفى
«احرقوها" هكذا طلبت سيدة في بنزرت كانت ضمن كوكبة من المحتجين التخلّص من جثة امرأة وافتها المنيّة بفيروس كورونا. و"ديقاج كورونا" مع غلق باب المستشفى في وجه سيّارة اسعاف كانت تحمل شخصا محتاجا للاسعاف الطبّي هكذا تعامل الاطار الطبّي وشبه الطبّي في مستشفى مدنين مع واجب مهني يَفرض عليهم فتح الباب واستقبال المريض واسعافه. و"يا كورونا" هكذا تغيّرت أسماء بعض الأشخاص من قبل اجوارهم فأسقطوا عنهم الإسم ونادوهم بالمَصَاب.
نجاة، أسم مستعار، لعاملة في مخبزة بالعوينة تبلغ من العمر 25 سنة أنهت منذ يومين فترة الحجر الصحي ووالدتها وأثبتت التحاليل سلامتهما من الفيروس قالت إنها تخشى المشي مجددا في حيّها أو ملاقاة الناس وانها طلبت من سائق الحافلة التي اقلتها من المنستير إيصالها الى غاية باب المنزل هربا من "أي كلمة جارحة قد يُلقِي بها الاجوار مجددا من نوافذ بيوتهم".


«يا كورونا» بدل الإسم الشخصي
«تلك الكلمات ظلّت تتساقط كالحجارة فوق رؤوسنا طيلة أسبوعين...نحن من عاملنا الاجوار كمجرمين" هكذا تقول نجاة بصوت يختزل كل حزن العالم وتراكماته. طيلة أسبوع ظلّت نجاة تتواصل مع الرقم 190 طلبا لنجدة والدها بعد ان شكّت في اصابته بفيروس كورونا وهو الذي امتهن نقل المواد الغذائية بين المدن وكانت آخر زياراته الى جربة قبيل إعلانها بؤرة لتفشّي الفيروس. "لم تظهر على والدي أي علامات ولكنه فقط كان يسعل وحين اتصل بالرقم 190 يخبرونني بانه بخير مادام لا يعاني من آلام في الرأس او من ارتفاع في درجات الحرارة».
مات الوالد، مختار، يوم 31 مارس في حدود الساعة الثالثة فجرا ولم يُفتح باب الاسرة لتقبّل العزاء من الاجوار وحدها سيارة الإسعاف من حلّ بالمكان في حدود الساعة الخامسة فجرا لرفع عينة من الجثة للتحليل. وتُرِكت الأسرة في حزنها الاستثنائي لمدة يومين وفي الاثناء حاول افرادها المحافظة على جثة الاب كي لا تتعفن باستخدام مروحة هوائية وعبر فتح نافذة غرفته. 
في الأيام التالية وفي انتظار صدور نتائج تحليل بقية افراد الاسرة، إثر ثبوت وفاة الاب بفيروس كورونا، عانت اسرة مختار من وصم اجتماعي وعنف صادر عن الاجوار اجبرهم على الاكتفاء بتناول الخبز وزيت الزيتون بعد ان تم منعهم من المغادرة لاقتناء حاجياتهم ومُنِعَتْ عليهم أي مساعدة.


أحقاد وانتقام
تقول نجاة لـ"الشروق" إنّ الاعلام زاد من حجم الوصم الذي عانته الأسرة وهي التي عرفت عبر الاعلام انها مصابة بالفيروس "فوزارة الصحة العمومية لم تعلمن بنتيجة تحليلي رغم طلبي المتواصل بالكشف عنه".
تذكر نجاة جيدا تلك اللحظات الرهيبة التي عاشتها واسرتها عند منتصف الليل ونصف من احد ليالي افريل حين حلت سيارة اسعاف تطلب منها ومن والدتها الصعود لنقلهنّ الى الحجر الصحي في المنستير. "طبعا رفضت ذلك لانه يُفترض ان يتم ابلاغي بالامر مسبقا ولكن هذا الرفض لم يستصغ الأجوار فكالوا لنا من الشتائم الكثير وكانوا يوثقون ما يحصل عبر الهواتف الجوالة وطالبوا من الفريق الصحي نقلنا بالقوة العامة وهم لا ينادوننا بأسمائنا بل يدعوننا بكورونا".
ورغم انتهاء الازمة وعودتها سالمة ووالدتها الى المنزل إلاّ ان نجاة تحمل بين ضلوعها حقدا كبيرا على أجوار لم يراعوا وضع استثنائي مرت به الاسرة دون إرادة منها وحقد آخر اكبر على خدمات صحيّة غيّبت المرافقة النفسية للمشتبه في اصابتهم وللخاضعين للحجر الصحي ومن ثمة إعادة ادماجهم في مجتمع مقتنع بـ"إفراد البعير المعبّد". وتقول نجاة للشروق "انا بخير اليوم ولكنّي أجد صعوبة في إعادة التأقلم الاجتماعي مجددا بسبب ما كاله لنا المحيط من وصم وعنف". الى هنا تنتهي قصة نجاة وتبدأ قصص أخرى كثيرة، اكثر حزنا وأشدّ عنفا، لمصابين بالفيروس واسرهم ذنبهم الوحيد: الإصابة بفيروس غريب والنتيجة ان الكثيرين انتقموا على طريقتهم هربا من الوصم... فأخفوا الإصابة هربا من جحيم الوصم وكانت بداية الطريق لانتشار العدوى.
 

متعافيـــــة مـــــــن كورونــــــا: 
«الأجـــوار غيّبــوا أسماءنــــا ونادونـا بـ«يا كورونـا» وأجبرونــا على تناول الخبز وزيت الزيتون لأيام بعد ان منعونا مـن اقتناء حاجياتنا»
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

قال المعهد الوطني للرصد الجوي في بلاغ له مساء اليوم ان طقس الليلة يتميز بسحب عابرة بأغلب المناطق.
19:16 - 2024/05/02
شارك وزير الدّاخليّة كمال الفقـي ،اليوم الخميس بالعاصمة الإيطاليّة رُوما، في الاجتماع التنسيقي ال
18:25 - 2024/05/02
أكّد عضو اعتصام "شرين أبو عاقلة" بحرم معهد الصحافة وعلوم الأخبار شاكر الجهمي أن الطلبة المعتصمون
17:11 - 2024/05/02
اعلن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أن مشروع التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص سيدخل حيز ال
16:13 - 2024/05/02
كشف "مرصد رقابة" في بلاغ اليوم الخميس 2 ماي 2024، عن إستقالة العميد هيثم زنّاد من الإدارة العامّة
16:05 - 2024/05/02
أعلن المحامي والعميد السابق للمحامين شوقي الطبيب، اليوم الخميس 2 ماي 2024، رفع اضرابه عن الطعام ا
15:53 - 2024/05/02
قرّر بحارة جرجيس العودة الى نشاط صيد القمبري الذي انطلق منذ 20 أفريل المنقضي ويتواصل حتى نهاية شه
14:32 - 2024/05/02