مع الشروق .. هجرة الكفاءات والحاجة إلى حلول «رصينة»..
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/11/29
بقدر ما يمثّله ملف هجرة الكفاءات الى الخارج من مشكل عويص بالنسبة الى الدولة إلا أن الحلول المُقدمة في شأنه مؤخرا ضمن مبادرة تشريعية أطلقها نواب من البرلمان لا تبدو ناجعة أوقادرة على إيقاف نزيف الظاهرة. فهذه المبادرة اكتفت فقط بجانب من الحل وهو توظيف "ضريبة" مالية سنوية على الكفاءات المهاجرة دون النظر الى بقية جوانب المسألة وإلى الحلول الأخرى الممكنة. وبقطع النظر عن الانتقادات التي وُجهت إلى هذه المبادرة التشريعية والتي ذهبت حدّ وصفها بالمبادرة المنافية للدستور وللحق في العمل وحرية التنقل، يمكن القول أن اقتصارها فقط على الجانب المالي قطع الطريق أمام كل الحلول الاخرى الممكنة.
لا شك أن هجرة الكفاءات والأدمغة تؤدي إلى إضعاف فرص التنمية الاقتصادية داخل البلدان الاصلية مقابل استفادة دول الوجهة من ذلك خاصة عندما يتعلق الأمر بقطاعات حيوية كالطب والصحة والتعليم والهندسة والتكنولوجيات الحديثة. كما تؤدي الى مزيد توسيع هوة التقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين دول الكفاءات المهاجرة والدول المتقدمة خاصة عندما لا تقابلها هجرة أخرى معاكسة لكفاءات وأدمغة الدول المتقدمة نحو الدول النامية. ويبقى الأهم من كل ذلك هو ما تتكبده الدولة الأم ومجتمعها من نفقات في سبيل تدريس تلك الكفاءات وفي الأخير تعود "ثمار" ذلك الى دولة أجنبية، رغم إشارة البعض إلى أن استفادة الدولة الأم تكون بطريقة غير مباشرة من خلال ما ستضخه الكفاءة المهاجرة من عائدات بالعملة الصعبة للاقتصاد الوطني وما قد تُنجزه من استثمارات اقتصادية وغيرها على أرض الوطن.
الثابت اليوم في تونس أن الكفاءات التي تختار الهجرة يكون هاجسها الوحيد هو البحث عن عمل ومورد رزق قد لا يتوفر في بلادنا لعدّة اعتبارات. فسوق الشغل في تونس ضيّقة خاصة في القطاع الخاص الذي يمرّ بصعوبات حتمها الظرف الاقتصادي العالمي ولم يعد قادرا على القيام بانتدابات كثيرة تلبي كل طلبات العمل وتتناسب من الناحية المادية مع مؤهلات الكفاءة الباحثة عن شغل ومع احتياجاتها. وفي القطاع العمومي، مازالت الدولة تواجه ما يعرف بأزمة " ارتفاع كتلة الأجور" وهو ما حتّم عليها إيقاف الانتدابات منذ سنوات والى حدّ الآن وبالتالي لن تقدر هي الأخرى على امتصاص كامل طلبات الشغل لهذه الكفاءات..
وتعاني أغلب الدول النامية اليوم من مشكل هجرة الكفاءات والأدمغة ولم تقدر إلى حدّ الآن على الاهتداء إلى الحلول الناجعة التي تخفّف من حدة الظاهرة وتجعل الدولة الأم هي المستفيد الأول من كفاءاتها. وسبب ذلك في مختلف هذه الدول كما في تونس هو عدم القدرة على استقطاب هذه الكفاءات والابقاء عليها للاستفادة منها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا سواء في القطاع العمومي او الخاص. ولا يمكن لهذا الاستقطاب أن ينجح دون ان يؤخذ بعين الاعتبار معدل التأجير ومستوى المعيشة في الدول المتقدمة وكلاهما يمثّل مصدر إغراء يجذب الكفاءات مهما كانت وضعيتها الاجتماعية والمادية في بلدها الأم. وهي الحلول التي اهتدت إليها بعض الدول الآسيوية مثلا للتخفيف من حدة الظاهرة رغم تكلفتها المالية الباهظة.
ومن الحلول الأخرى التي لجأت إليها بعض الدول "توطيد العلاقة المواطنية" مع كفاءاتها في المهجر والبقاء على اتصال دائم بها عبر هيكل عمومي او رابطة أو غيرها للاستفادة من خبراتها "عن بُعد" وتمكينها من المساهمة في التطوير الاقتصادي والتنموي والعلمي بالبلد الأم إما بمقابل أو دونه. وتوجد حلول أخرى تتمثل في توفير كل التشجيعات الادارية والمالية لهؤلاء ليعودوا إلى أرض الوطن و يبعثوا مشاريع للحساب الخاص إما بالشراكة مع المؤسسات الاجنبية التي يشتغلون فيها أو بالتنسيق مع الدولة المعنية ، فيساهموا بذلك في التنمية والتطور الاقتصادي لبلدانهم الأصلية. وهذا بالإضافة إلى ما قد يُطرح من حلول على المستوى الديبلوماسي بين الدولة الأم ودولة الوجهة للتخفيف من حدة الظاهرة .. وكلها حلول معقولة وممكنة وبإمكان تونس أن تضعها تحت الدرس بعيدا عن الحل الذي اكتفى بتوظيف ضريبة مالية قد لا يتسنى تحقيقها بسهولة..
فاضل الطياشي
بقدر ما يمثّله ملف هجرة الكفاءات الى الخارج من مشكل عويص بالنسبة الى الدولة إلا أن الحلول المُقدمة في شأنه مؤخرا ضمن مبادرة تشريعية أطلقها نواب من البرلمان لا تبدو ناجعة أوقادرة على إيقاف نزيف الظاهرة. فهذه المبادرة اكتفت فقط بجانب من الحل وهو توظيف "ضريبة" مالية سنوية على الكفاءات المهاجرة دون النظر الى بقية جوانب المسألة وإلى الحلول الأخرى الممكنة. وبقطع النظر عن الانتقادات التي وُجهت إلى هذه المبادرة التشريعية والتي ذهبت حدّ وصفها بالمبادرة المنافية للدستور وللحق في العمل وحرية التنقل، يمكن القول أن اقتصارها فقط على الجانب المالي قطع الطريق أمام كل الحلول الاخرى الممكنة.
لا شك أن هجرة الكفاءات والأدمغة تؤدي إلى إضعاف فرص التنمية الاقتصادية داخل البلدان الاصلية مقابل استفادة دول الوجهة من ذلك خاصة عندما يتعلق الأمر بقطاعات حيوية كالطب والصحة والتعليم والهندسة والتكنولوجيات الحديثة. كما تؤدي الى مزيد توسيع هوة التقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين دول الكفاءات المهاجرة والدول المتقدمة خاصة عندما لا تقابلها هجرة أخرى معاكسة لكفاءات وأدمغة الدول المتقدمة نحو الدول النامية. ويبقى الأهم من كل ذلك هو ما تتكبده الدولة الأم ومجتمعها من نفقات في سبيل تدريس تلك الكفاءات وفي الأخير تعود "ثمار" ذلك الى دولة أجنبية، رغم إشارة البعض إلى أن استفادة الدولة الأم تكون بطريقة غير مباشرة من خلال ما ستضخه الكفاءة المهاجرة من عائدات بالعملة الصعبة للاقتصاد الوطني وما قد تُنجزه من استثمارات اقتصادية وغيرها على أرض الوطن.
الثابت اليوم في تونس أن الكفاءات التي تختار الهجرة يكون هاجسها الوحيد هو البحث عن عمل ومورد رزق قد لا يتوفر في بلادنا لعدّة اعتبارات. فسوق الشغل في تونس ضيّقة خاصة في القطاع الخاص الذي يمرّ بصعوبات حتمها الظرف الاقتصادي العالمي ولم يعد قادرا على القيام بانتدابات كثيرة تلبي كل طلبات العمل وتتناسب من الناحية المادية مع مؤهلات الكفاءة الباحثة عن شغل ومع احتياجاتها. وفي القطاع العمومي، مازالت الدولة تواجه ما يعرف بأزمة " ارتفاع كتلة الأجور" وهو ما حتّم عليها إيقاف الانتدابات منذ سنوات والى حدّ الآن وبالتالي لن تقدر هي الأخرى على امتصاص كامل طلبات الشغل لهذه الكفاءات..
وتعاني أغلب الدول النامية اليوم من مشكل هجرة الكفاءات والأدمغة ولم تقدر إلى حدّ الآن على الاهتداء إلى الحلول الناجعة التي تخفّف من حدة الظاهرة وتجعل الدولة الأم هي المستفيد الأول من كفاءاتها. وسبب ذلك في مختلف هذه الدول كما في تونس هو عدم القدرة على استقطاب هذه الكفاءات والابقاء عليها للاستفادة منها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا سواء في القطاع العمومي او الخاص. ولا يمكن لهذا الاستقطاب أن ينجح دون ان يؤخذ بعين الاعتبار معدل التأجير ومستوى المعيشة في الدول المتقدمة وكلاهما يمثّل مصدر إغراء يجذب الكفاءات مهما كانت وضعيتها الاجتماعية والمادية في بلدها الأم. وهي الحلول التي اهتدت إليها بعض الدول الآسيوية مثلا للتخفيف من حدة الظاهرة رغم تكلفتها المالية الباهظة.
ومن الحلول الأخرى التي لجأت إليها بعض الدول "توطيد العلاقة المواطنية" مع كفاءاتها في المهجر والبقاء على اتصال دائم بها عبر هيكل عمومي او رابطة أو غيرها للاستفادة من خبراتها "عن بُعد" وتمكينها من المساهمة في التطوير الاقتصادي والتنموي والعلمي بالبلد الأم إما بمقابل أو دونه. وتوجد حلول أخرى تتمثل في توفير كل التشجيعات الادارية والمالية لهؤلاء ليعودوا إلى أرض الوطن و يبعثوا مشاريع للحساب الخاص إما بالشراكة مع المؤسسات الاجنبية التي يشتغلون فيها أو بالتنسيق مع الدولة المعنية ، فيساهموا بذلك في التنمية والتطور الاقتصادي لبلدانهم الأصلية. وهذا بالإضافة إلى ما قد يُطرح من حلول على المستوى الديبلوماسي بين الدولة الأم ودولة الوجهة للتخفيف من حدة الظاهرة .. وكلها حلول معقولة وممكنة وبإمكان تونس أن تضعها تحت الدرس بعيدا عن الحل الذي اكتفى بتوظيف ضريبة مالية قد لا يتسنى تحقيقها بسهولة..
فاضل الطياشي