مع الشروق : نهاية الحرب... لا تعني سقوط أهداف الحرب!!

مع الشروق : نهاية الحرب... لا تعني سقوط أهداف الحرب!!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/15

مثلما تدخل ترامب لإنهاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران وإنقاذ الكيان الصهيوني من الضربات الصاروخية الايرانية المدمرة التي كانت على وشك تركيع إسرائيل وإصابة كيانها المصطنع في مقتل... مثلما حدث ذلك في الحالة الايرانية يحدث الآن في الحالة الفلسطينية.. عندما تدخل ترامب وألقى بثقله لإنهاء حرب كانت تهدّد الكيان الصهيوني بالانيهار.
ترامب اعترف أن بلاده زوّدت إسرائيل بأدق الأسلحة وأكثرها تطورا وقدرات تدميرية. واعترف بأن إسرائيل أحسنت استخدام هذه الأسلحة... لكن الكيان لم يكسب الحرب ونتنياهو لم يحقق أهداف الحرب المتمثلة في تخليص الأسرى لدى المقاومة وفي تفكيك حركة «حماس» بعد القضاء عليها وفي تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء المصرية وتسليم القطاع إلى ترامب لإنشاء مشروعه الاستثماري الضخم.
ليس هذا فقط، بل اسرائيل التي لم تقدر على تحقيق أهداف الحرب رغم الدعم الأمريكي ـ الغربي السخي بالمال وبالسلاح وبالغطاء السياسي كانت بصدد خسارة الحرب. فالمقاومة التي تتسلح بعزيمة فولاذية وبإرادة قوية والتي تقف على أرض صلبة وتخوض معركة وجود ليس لقضية الشعب الفلسطيني بل وللأمة العربية جمعاء لم تتوقف عن تكبيد العدو خسائر مهولة في الأرواح وفي المعدات.. حيث أصبحت فصائل المقاومة هي من تدير المعركة وتعطيها الزخم والوتائر التي تريد وتلحق بالعدو المدجج بالسلاح خسائر كبيرة وحوّلت عدوانه الهمجي إلى عدوان بلا أفق انتصار عسكري ولا أفق فرض تسوية سياسية تحقق للصهيوني كل أهدافه.. وكل هذه الحقائق باتت أمريكا تلمسها لمس اليد ما جعلها تقتنع باستحالة تحقيق الانتصار على المقاومة وكسر إرادتها وتحقيق أهداف الحرب الصهيونية والأمريكية.
أكثر من هذا، فأمريكا شهدت كيف انقلب العالم على حليفها الاسرائيلي وكيف تجنّدت كل شعوب العالم بما فيها جزء هام من الشعب الأمريكي في جبهة عالمية منددة بالعدوان على غزة ومنادية بالحرية لفلسطين.. حقيقة دفعت الرئيس الأمريكي وهو يرى الطوفان يكتسح أسوار أمريكا يستنتج عجز حليفه الاسرائيلي عن مواجهة هذا المدّ العالمي الذي بات ينذر بجرف الجميع.. وهو ما جعله يعلنها صراحة في وجه نتنياهو عندما قال له إن «اسرائيل لا تقدر على مواجهة كل العالم»...
كل هذه العوامل مجتمعة دفعت ترامب إلى تفعيل خطته الموازية.. فما لا يتحقق بالحرب يتحقق بالمخاتلة وما لا يتحقق بالقنابل وبالصواريخ يتحقق بالمناورة والمداورة. وأمريكا بارعة في هذه اللعبة ـ ورئيسها ـ بهلوان ـ يجيد النطّ واللعب في ملاعب السياسة.. وبالنتيجة فإن ما عجزت اسرائيل عن تحقيقه بآلتها الحربية يمكن أن تحققه أمريكا بآلتها الديبلوماسية الرهيبة والتي لا تقل بطشا ولا تدميرا. ذلك أن إدارة ترامب تملك القوة اللازمة لترهيب كل العالم وتمتلك القدرة على المناورة والضغط والمخاتلة لتحقيق نفس الأهداف التي يعجز عن تحقيقها السلاح.. وهو تحديدا ما دفع الرئيس ترامب لإطلاق خطته لوقف الحرب في غزة.
خطة ترامب لم تأت رأفة بالشعب الفلسطيني الذي قتل ودمرت منازله ومستشفياته ومدارسه على مدى عامين بأسلحة أمريكية وبغطاء سياسي أمريكي.. وخطة ترامب لم تأت رغبة في وقف حرب عدوانية تضع شعبا أعزل في مواجهة آلة حربية تمتلك كل أدوات الغطرسة والجبروت بل إنها جاءت لتحقق بالضغط وبالترهيب وبالمخاتلة ما عجز عن تحقيقه نتنياهو بقوة الحديد والنار.. وهو ما يدعو إلى الحذر من الفخاخ والألغام والسموم المدسوسة في سمّ خطة السلام الأمريكية والمغلّفة بقفازات ناعمة تركب الديبلوماسية سبيلا لإنجاز ما لم تنجزه الصواريخ والقنابل. ذلك أن المقاومة سلمت الأسرى الأحياء وجثث الأموات بالحاضر. وغدا ستكون مطالبة بتسليم سلاحها دون إبطاء. وبعد غد ستكون مطالبة بفتكيك بنيتها وإخلاء القطاع لمن لا يرغب في العيش «تحت الحيط».. وبعدها ستكون مطالبة بالفرجة على «ريفييرا» ترامب وهي تستنبت على أرض غزة لتسرق الوطن بطريقة ناعمة محققة بذلك الهدف الذي استنفد نتنياهو كل قدراته التدميرية لتحقيقه. وبعدها ستكون الأمة بأسرها مدعوة إلى «العرب الكبير» عرس «اسرائيل الكبرى» وهي تعلن من النيل إلى الفرات... أما الدولة الفلسطينية.. وأما الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني فيمكن أن تنتظر 70 سنة أخرى حتى تتبدّل كل ملامح الأرض وتصبح فلسطين ليست فلسطين!
ندرك أن المقاومة التي أدارت هذا العدوان الصهيوـ أمريكي باقتدار وقلبت الطاولة على الطغاة قادرة على إعادة نفس السيناريو والابداع في مجال العمل الديبلوماسي والسياسي كما أبدعت في المجال العسكري.. ونتمنى أن يساعدها المحيط الاقليمي والحاضنة العربية ـ الإسلامية التي تبلورت لتفويت الفرصة على كل المخططات الجهنمية ومساعدة الأشقاء الفلسطينيين على تحقيق حلم وأمل إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
عبد الحميد الرياحي
 

تعليقات الفيسبوك