مع الشروق : نزيف العُنف .. والردع المطلوب

مع الشروق : نزيف العُنف .. والردع المطلوب

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/15

 موجة من العنف اللفظي والجسدي  بلغت حدّ القتل أو التهديد به  او التعنيف او السرقات باستعمال العنف، تجتاح منذ مدّة بلادنا وأصبحت "خبزا يوميا" داخل المجتمع وفي عديد المناطق.. ومشاحنات في الطريق العام او في الشارع او داخل  إدارات عمومية او حتى بين افراد العائلة الواحدة او أبناء "الحومة" الواحدة تتحول أحيانا إلى عنف لفظي وجسدي. وفي المحصلة أصبحت النتيجة واحدة: مجتمع طغى عليه في حياته اليومية الاحتقان والتشنج ، فأصبحت أغلب أخباره لا تتحدث إلاّ عن "البراكاجات" والتعنيف والقتل بطرق فظيعة من أجل السرقة والسلب أو للانتقام أو لتصفية حسابات مختلفة أو بسبب شجار بسيط او غيرها من الاسباب.
إن  الحياة العامة في المجتمعات السليمة لا تُمارَس بالعنف أو بالتهديد والمكاسب في الدول المتقدمة لا تُنزع من أصحابها عنوة أو بالتعنيف والتهديد القتل بل يقع تطبيق القوانين بقوة وصرامة تجاه كل من يميل الى ارتكاب تلك الأفعال وهو ما ساهم في تحقيق الردع بنسبة كبيرة ... وفي تونس تُنظم الحياة العامة قوانين ونواميس اجتماعية وتقاليد وعادات لا يمكن تجاوزها. غير ان تفعيل تلك القوانين يكون أحيانا ضعيفا كما ان المشرفين على تنفيذ القانون لا يقومون أحيانا بالدور المطلوب او ان البعض ينجح في الإفلات من العقاب. وهو ما ساهم في مزيد استفحال العنف والسلوكات المرتبطة به من يوم لآخر واصبح الوضع مهددا بمزيد تفاقم الظاهرة نحو الأسوأ
يكفي لإيقاف نزيف العنف وليتعايش الجميع في كنف الهدوء والاحترام المتبادل تطبيق القوانين بصرامة وتشدد وبعيدا عن "التهاون" والليونة حتى يتحقق الردع المطلوب، كما و الشأن في اغلب الدول المتقدمة وفي عديد الدول التي أصبحت تولي لتفعيل القوانين اهتماما كبيرا. وقد آن الأوان اليوم ان تتغير عديد القوانين نحو عقوبات اكثر تشددا وصرامة وان تتطور آليات وإجراءات الرقابة أكثر نحو التكنولوجيا والرقمنة وفي مقدمتها كاميرات المراقبة حتى تقع محاصرة العنف وكشف كل من يميل نحو العنف لغايات مختلفة..
ان تونس اليوم في حاجة إلى  مبادرة عليا ، تُطمئن الناس من تفشي ظاهرة العنف ، وتبث الرعب في نفوس ممارسي العنف، وتكون من خلال دعوة صريحة ومعلنة لتطبيق القانون بشدة في مجال العنف بمختلف أشكاله، وتحميل كل مسؤولي الدولة المعنيين بهذا الملف مسؤولية الصرامة والتشدد مع مرتكبي العنف ومنع كل اشكال "الليونة" في التعاطي مع ملفاتهم وفي تنفيذ القانون تجاههم. ويقتضي الامر أيضا  منع الإفلات من العقاب او العقوبات الخفيفة التي يعود بعدها المجرم الى ارتكاب الأفعال نفسها وفرض عدم التسامح مع كل سلوك عنيف. وفي الاطار ذاته تقع الدعوة أيضا الى تعزيز الرقابة في الأماكن العامة التي اصبح يرتكب فيها العنف والسرقات والبراكاجات  في وضح النهار، وخاصة عبر كاميرات المراقبة ولم لا تخصيص ميزانيات استثنائية لهذا الغرض ..
لقد آن الأوان  لأن يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم كاملة في وقاية المجتمع من العنف وأن يكون التزامهم هذا التزاما بتحقيق نتيجة – وهي مجتمع نظيف خال من العنف- وليس التزاما ببذل عناية. فإذا كان المجتمع عنيفا والرعب والخوف مسيطرين على النفوس فإنه لا ينتظر ان يتحقق التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي. فالعنف يُعطل الحياة العامة ويُعرقل النمو الاقتصادي لأن الحركية الاقتصادية والتجارية والانتاجية والمردودية في العمل لا يمكن ان تتحقق بمجتمع يخاف ركوب وسائل النقل العمومي في الليل كما في النهار ولا بمحلات تجارية تُغلق باكرا ولا بشارع ينام منذ الخامسة مساء خوفا من السلب والقتل والعنف..
إن الدول المتقدمة لم تحقق النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي إلا بالقضاء على كل اشكال العنف في مجتمعاتها. وفي بعض الدول يخاف المواطن مجرد رفع صوته عاليا ويخشى الشجار في الطريق العام او من داخل سيارته لأنه سيكون عرضة لعقاب شديد، فما بالك بالعنف او بالقتل او التهديد. وفي تلك الدول يمتنع أيضا عن أخذ أموال او ادباش ملقاة في الطريق العام خوفا من ان ترصده كاميرا المراقبة. وهو ما تحتاجه بلادنا اليوم أكثر من أي وقت مضى..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك