مع الشروق .. منجي الباوندي .. قصة نجاح.. قصة إلهام..

مع الشروق .. منجي الباوندي .. قصة نجاح.. قصة إلهام..

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/05/24

بقدر ما صنعته قصة نجاح العالم التونسي الفائز بجائزة نوبل للكيمياء منجي الباوندي من شعور بالافتخار والنخوة لدى التونسيين، بقدر ما لا يجب الاكتفاء بالتوقف حدّ ذلك الشعور وانتظار قصص أخرى مماثلة للاحتفال والافتخار. فهذه القصة يجب ان تتحوّل اليوم الى مصدر إلهام يتجند الجميع - من تلاميذ وطلبة وعائلاتهم ومُدرسيهم وسلطة الاشراف -  للاقتداء بها واتباع خطاها من أجل نحت قصص نجاح أخرى تونسية مشابهة او تفوقها علميا ومعرفيا..  
وقصة النجاح هذه التي وقف التونسيون على تفاصيلها في اليومين الأخيرين بمناسبة زيارة بطلها إلى تونس ، أكّدت مرة أخرى ما يجب أن يحظى به التعليم والمعرفة والتميز الدراسي من مزيد الاهتمام من كل الأطراف. كيف لا وهو المجال الذي ما انفك يُدير إليه الأعناق من كل العالم نحو بلادنا، بالنظر إلى ما تواصل تحقيقه الكفاءات والعقول التونسية من تميّز وإشعاع في مختلف المجالات العلمية والهندسية سواء في تونس أو في الخارج...   
اليوم يجب أن تكون قصة نجاح د. منجي الباوندي مصدر إلهام للأجيال المتتالية حتى تواصل التشبث بالتعليم والدراسة والنهل من منابع العلم والمعرفة.. وهو ما تتحمل مسؤوليته كل الأطراف المعنية من خلال تحويل تفاصيل القصة شكلا ومضمونا الى داخل البيوت عبر مختلف وسائل الاعلام بشكل دائم، ولم لا إدراجها في بعض البرامج التعليمية بمختلف المستويات حتى يقع ترسيخها في عقول الناشئة وجعلها دافعا لحثهم على التميز الدراسي والعلمي..
ويجب أن تكون هذه القصة مُلهمة أيضا للدولة ولا سيما للقائمين على الشأن التربوي وعلى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. ولا يتحقّق ذلك إلا عبر العمل على مزيد تطوير المنظومة التعليمية والتربوية في تونس بشكل عام، من التحضيري إلى الجامعي وإحداث ثورة حقيقية في مجال الإصلاح التربوي تشمل البرنامج المدرسي وإطارات التدريس والاختصاصات التعليمية في الجامعة وظروف التعليم والبنية التحتية للمؤسسات المدرسية والجامعية ومخابر البحث والعلوم..
ولا يكفي الاهتمام فقط بالإصلاح التربوي والتعليمي بل يجب ان يكون متبوعا بإصلاح آخر على مستوى الممارسة العلمية على الميدان حتى تقدر البلاد على الاستفادة من كفاءاتها على أرضها ولفائدة مصلحتها الاقتصادية والاجتماعية.. فالكفاءات التي "تُنتجها" بلادنا أصبحت لا تجد للأسف خيارات كثيرة غير الهجرة الى الخارج حتى تقدر على ممارسة معارفها وعلومها على أرض الواقع والحصول على مقابل مالي مكافئ، ومزيد تطويرها. وهو ما يتطلب اليوم توفير الأرضية الملائمة للمحافظة على كفاءاتنا من "الهروب" والاستفادة منها في مخابرنا ومؤسساتنا ومستشفياتنا ومنحها فرصة الابتكار والخلق والإبداع عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة والشركات الناشئة خاصة في القطاعات الواعدة التي تعتمد على العلوم والبحوث.
ولا تبدو المهمة صعبة في تونس بالنظر إلى ما يتجذّر فيها وبين أفراد مجتمعها من تقاليد تاريخية تولي التعليم والعلم والمعرفة أهمية بالغة منذ قرون ورسخته أكثر دولة الاستقلال ويتواصل الأمر إلى اليوم رغم بعض التراجع ورغم الصعوبات التي بات يمر بها قطاع التعليم.. فأسس التعلم والنجاح العلمي والمعرفي مترسخة إلى اليوم في تونس، وتقاليد البحث العلمي والابتكار وبعث المؤسسات في القطاعات الواعدة والمبتكرة والمخابر العلمية متوفرة وكذلك البنى التحتية..
يكفي اليوم في تونس إرادة سياسية قوية ومُلزمة لكل الأطراف، تُولي أكثر أهمية وعناية للعلم والمعرفة والبحوث وتشجع التميز فيها وخاصة ممارستها على أرض الوطن. فبذلك يمكن الاستلهام بشكل ناجع وملموس من قصة نجاح العالم التونسي منجي الباوندي وغيره من قصص النجاح الأخرى ولا يقع الاكتفاء فقط بمجرد احتفال عابر بهكذا نجاحات او بالتعبير عن الشعور بالنخوة والاعتزاز بها..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك