مع الشروق : لا خير في بيروقراطية تتسبّب في خسائر بشرية..
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/04/18
من يوم لآخر، يتضح أن تردّي خدمات المرفق العام وما يرافقه أحيانا من حوادث مؤلمة ومن تعطيلات لمصالح الدولة والمواطن، سببه أساسا البيروقراطية الثقيلة التي تُكبّل أيادي المسؤولين وتُطيل الإجراءات. فهذه البيروقراطية تحول دون التدخلات السريعة والمستعجلة من قبل الإدارة لتفادي خطر داهم او للقيام بأعمال ترميم وصيانة او لتحسين حالة مرفق عمومي.. فقد كشفت حادثة انهيار جدار المعهد الثانوي بالمزونة مؤخرا أن الإجراءات البيروقراطية الطويلة هي أبرز سبب لتعطيل خدمات المرفق العام ولحصول الحوادث المؤلمة والخطيرة. فالجدار ما كان له أن ينهار لو سمحت الإجراءات الإدارية للمسؤولين بالتدخل المسبق والوقائي للترميم والصيانة في الإبان بمجرد معاينة الخطر.
ليست حادثة المزونة إلا نقطة من بحر مليء بحوادث مؤلمة مشابهة حصلت سابقا في الفضاء العام وتسببت في خسائر بشرية على غرار حوادث المرور التي تحصل بسبب حالة الطريق أو حوادث السقوط في بالوعة بالطريق العام بسبب عدم صيانتها وغيرها من الحوادث، دون أن يقدر المسؤولون على التدخل المسبق للتوقي من الخطر بسبب البيروقراطية الثقيلة.. فالبيروقراطية تجعل من أشغال بسيطة لسد حفرة في الطريق العام ولصيانة بالوعة أو لإصلاح فانوس كهرباء في الشارع او لترميم بناية متداعية للسقوط او لتفادي أي خطر داهم آخر، أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، وحتى إن تحقق فإن ذلك يكون بعد مدة طويلة او بعد ان يحصل المكروه و بعد أن تترتب خسائر لا يمكن تداركها..
في تونس تفرض النصوص القانونية والإدارية أمام المسؤولين اجراءات عديدة وطويلة ومعقدة على غرار المراسلات بين الإدارات والوثائق المكتوبة والقيام بالاستشارات وانعقاد اللجان واطلاق طلبات العروض.. كما تفرض النصوص أيضا عقوبات صارمة للمسؤولين في صورة تجاوز الإجراءات البيروقراطية المعمول بها، وهي كلها تعقيدات تجعل من التدخلات السريعة والعاجلة لتحسين حالة مرفق عام غير ممكنة. ومن الطبيعي أن يفسح ذلك المجال امام بقاء حالة خطر على ما هي عليه على امتداد فترة طويلة، وأحيانا يحدث الخطر ويتسبب في خسائر مادية وبشرية، وعندئذ تصبح الإدارة مضطرة للتدخل لإزالة الخطر، لكن بعد فوات الأوان وبعد حصول المضرة..
في زمن تتجه فيه أغلب دول العالم نحو الرقمنة وتعميم الخدمات عن بعد وتقليص الاجراءات والوثائق الورقية لتجاوز البطء الإداري المُعطل للخدمات العمومية، تواصل بلادنا الاعتماد على تقاليد إدارية بعضها يعود الى عهد الإمبراطورية العثمانية وعهد البايات والبعض الآخر الى فترة الحماية وفترة سنوات الاستقلال الاولى، وكانت آنذاك لا تمثل اشكالا بالنظر الى محدودية عدد السكان وعدد المرافق والخدمات العامة.. أما اليوم فقد اصبحت تلك النصوص تمثل عائقا أمام المسؤولين في المركز او في الجهات لمواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية الكبيرة واتساع رقعة خدمات المرفق العام والتي تتطلب التعجيل بالتدخل في الإبان كلما تمت معاينة خطر داهم او حاجة أكيدة لتحسين حالة مرفق عمومي.
تحتاج بلادنا اليوم إلى "ثورة تشريعية" عاجلة وحقيقية تقطع مع البيروقراطية ومع التعقيدات الإدارية وطول الإجراءات وتضع حدا لموافقات "اللجان" والوزارات الأخرى وتدخل مرونة على قانون الصفقات العمومية والشراءات العمومية الذي تطول اجراءاته على امتداد أشهر واحيانا سنوات، وتُحرّر أيادي المسؤولين وتُبدّد مخاوفهم. وهو ما أكده رئيس الجمهورية أكثر من مرة في انتظار أن تتحمل السلطات المعنية بالتشريعات ( مجلس النواب والحكومة) لتطوير النصوص القانونية المختلفة وتخليصها من "أدران" البيروقراطية ومن حالة الجمود التي تطغى عليها حاليا. فتطوير التشريعات وإنهاء التعقيدات الإدارية ستكون له انعكاسات إيجابية ليس على خدمات المرفق العام فحسب بل على الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد..
فاضل الطياشي
من يوم لآخر، يتضح أن تردّي خدمات المرفق العام وما يرافقه أحيانا من حوادث مؤلمة ومن تعطيلات لمصالح الدولة والمواطن، سببه أساسا البيروقراطية الثقيلة التي تُكبّل أيادي المسؤولين وتُطيل الإجراءات. فهذه البيروقراطية تحول دون التدخلات السريعة والمستعجلة من قبل الإدارة لتفادي خطر داهم او للقيام بأعمال ترميم وصيانة او لتحسين حالة مرفق عمومي.. فقد كشفت حادثة انهيار جدار المعهد الثانوي بالمزونة مؤخرا أن الإجراءات البيروقراطية الطويلة هي أبرز سبب لتعطيل خدمات المرفق العام ولحصول الحوادث المؤلمة والخطيرة. فالجدار ما كان له أن ينهار لو سمحت الإجراءات الإدارية للمسؤولين بالتدخل المسبق والوقائي للترميم والصيانة في الإبان بمجرد معاينة الخطر.
ليست حادثة المزونة إلا نقطة من بحر مليء بحوادث مؤلمة مشابهة حصلت سابقا في الفضاء العام وتسببت في خسائر بشرية على غرار حوادث المرور التي تحصل بسبب حالة الطريق أو حوادث السقوط في بالوعة بالطريق العام بسبب عدم صيانتها وغيرها من الحوادث، دون أن يقدر المسؤولون على التدخل المسبق للتوقي من الخطر بسبب البيروقراطية الثقيلة.. فالبيروقراطية تجعل من أشغال بسيطة لسد حفرة في الطريق العام ولصيانة بالوعة أو لإصلاح فانوس كهرباء في الشارع او لترميم بناية متداعية للسقوط او لتفادي أي خطر داهم آخر، أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، وحتى إن تحقق فإن ذلك يكون بعد مدة طويلة او بعد ان يحصل المكروه و بعد أن تترتب خسائر لا يمكن تداركها..
في تونس تفرض النصوص القانونية والإدارية أمام المسؤولين اجراءات عديدة وطويلة ومعقدة على غرار المراسلات بين الإدارات والوثائق المكتوبة والقيام بالاستشارات وانعقاد اللجان واطلاق طلبات العروض.. كما تفرض النصوص أيضا عقوبات صارمة للمسؤولين في صورة تجاوز الإجراءات البيروقراطية المعمول بها، وهي كلها تعقيدات تجعل من التدخلات السريعة والعاجلة لتحسين حالة مرفق عام غير ممكنة. ومن الطبيعي أن يفسح ذلك المجال امام بقاء حالة خطر على ما هي عليه على امتداد فترة طويلة، وأحيانا يحدث الخطر ويتسبب في خسائر مادية وبشرية، وعندئذ تصبح الإدارة مضطرة للتدخل لإزالة الخطر، لكن بعد فوات الأوان وبعد حصول المضرة..
في زمن تتجه فيه أغلب دول العالم نحو الرقمنة وتعميم الخدمات عن بعد وتقليص الاجراءات والوثائق الورقية لتجاوز البطء الإداري المُعطل للخدمات العمومية، تواصل بلادنا الاعتماد على تقاليد إدارية بعضها يعود الى عهد الإمبراطورية العثمانية وعهد البايات والبعض الآخر الى فترة الحماية وفترة سنوات الاستقلال الاولى، وكانت آنذاك لا تمثل اشكالا بالنظر الى محدودية عدد السكان وعدد المرافق والخدمات العامة.. أما اليوم فقد اصبحت تلك النصوص تمثل عائقا أمام المسؤولين في المركز او في الجهات لمواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية الكبيرة واتساع رقعة خدمات المرفق العام والتي تتطلب التعجيل بالتدخل في الإبان كلما تمت معاينة خطر داهم او حاجة أكيدة لتحسين حالة مرفق عمومي.
تحتاج بلادنا اليوم إلى "ثورة تشريعية" عاجلة وحقيقية تقطع مع البيروقراطية ومع التعقيدات الإدارية وطول الإجراءات وتضع حدا لموافقات "اللجان" والوزارات الأخرى وتدخل مرونة على قانون الصفقات العمومية والشراءات العمومية الذي تطول اجراءاته على امتداد أشهر واحيانا سنوات، وتُحرّر أيادي المسؤولين وتُبدّد مخاوفهم. وهو ما أكده رئيس الجمهورية أكثر من مرة في انتظار أن تتحمل السلطات المعنية بالتشريعات ( مجلس النواب والحكومة) لتطوير النصوص القانونية المختلفة وتخليصها من "أدران" البيروقراطية ومن حالة الجمود التي تطغى عليها حاليا. فتطوير التشريعات وإنهاء التعقيدات الإدارية ستكون له انعكاسات إيجابية ليس على خدمات المرفق العام فحسب بل على الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد..
فاضل الطياشي
