مع الشروق :لا تطوّر اقتصاديّ ولا رُقيّ اجتماعيّ في مُجتمع «عنيف»
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/11/14
يكاد يتحوّل العنف في بلادنا الى مشهد يومي لا تخلو منه مدينة او قرية او ريف. عنف مادي ولفظي يُرتكب ليلا نهارا وسط الشارع وعلى الطرقات بين السّواق وفي الأماكن العامة وفي المؤسسات التربوية وامامها، وفي مواقع العمل وداخل الإدارات وفي الأسواق ووسائل النقل، دون اعتبار العنف داخل البيوت وغيرها من الفضاءات الأخرى.. عنف يرتكبه الكهل والشاب والطفل والتلميذ والموظف والعامل والسائق والعاطل عن العمل، وترتكبه المرأة كما الرجل. أما الدوافع فهي عديدة منها سوء التفاهم بين طرفين وأخطرها العنف بدافع ارتكاب جريمة وفي مقدمتها جرائم «البراكاج» والسرقة.
ظاهرة أصبحت تتفاقم من يوم إلى آخر وهو ما تكشفه الصور والفيديوهات المتناقلة كل دقيقة وكل ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي عن السرقات و«البراكاجات» والمعارك اللفظية والمادية، وتؤكده أيضا ارقام الايقافات المتعددة التي تنفذها الأجهزة الأمنية على مدار الساعة وكذلك جلسات «العنف» التي تشهدها المحاكم يوميا. وفي كل مرة يكون التساؤل دائما عن الأسباب المباشرة والعميقة التي تؤدي الى كل هذا العنف وخاصة العنف الذي لا يقابله أحيانا أي مبرر او يكون مبالغا فيه. ويكون التساؤل بالخصوص عن الحلول الضرورية والمستعجلة التي طال انتظارها لوقف النزيف ودرء الخطر وإعادة الطمأنينة الى الناس.
لا يختلف اثنان في ان منسوب العنف المتنامي اصبح يلقي بظلاله على الحياة اليومية للتونسيين وخاصة على الوضع الاقتصادي والتنموي وعلى مستوى الرقي في المجتمع. إذ لا يمكن بناء اقتصاد قوي دون مجتمع «مُطمئنّ» ودون حركية تجارية وترفيهية واستهلاكية مرتفعة، والتي لا يمكن بلوغها إذا كان خطر العنف يخيم في النهار كما في الليل على الشارع وعلى وسائل النقل وفي الطرقات . فالخوف من العنف اصبح يمنع كثيرين من ممارسة حياتهم اليومية بشكل عادي واصبح كثيرون يتجنبون الخروج او التنقل ويفضلون البقاء في المنزل او في أماكن محدودة توقيا من الخطر.
وأكثر من ذلك اصبح الخوف من العنف يدفع الى «النوم المبكر» في المدن، بما في ذلك العاصمة تونس والمدن السياحية الكبرى. فعديد المتاجر والمطاعم وفضاءات الترفيه أصبحت تضطر لغلق أبوابها قبل السادسة او السابعة مساء، وكثيرون اصبحوا يتجنبون استعمال وسائل النقل العمومي او سياراتهم الخاصة ليلا للتنقل، بل ان عديد أصحاب سيارات التاكسي اصبحوا يخشون العمل ليلا او نحو بعض الأماكن المعينة. وكل ذلك لا يمكن ان تكون نتيجته سوى شلالا اقتصاديا وتجاريا «قاتلا»، عكس ما نراه في أغلب العواصم والمدن الكبرى في العالم حيث لا تهدأ الحركة طوال الليل والنهار.
ورغم ما تبذله مختلف أجهزة الدولة، من سلطات امنية وقضائية لردع العنف، إلا أن الظاهرة تبدو في حاجة إلى مزيد من الحلول الأخرى الأنجع عبر البحث أولا عن الأسباب ثم في ما بعد عن الحلول. ومن بين الأسباب التي يبرر بها البعض انتشار العنف هو الوضع النفسي والمعنوي لدى فئة كبرى من التونسيين نتيجة أوضاعهم الاجتماعية الصعبة مثل البطالة وغياب موارد الرزق وغلاء المعيشة والشعور أحيانا بالظلم والقهر بسبب أوضاع معينة. ومن الأسباب الأخرى أيضا نسق الحياة المتسارع و»المُدمّر» الذي يقضي على ملكة التفكير العقلاني والتصرف الهادئ لدى البعض ليحل محل ذلك العنف اللفظي والمادي.
ومن الطبيعي ان تكون أولى الحلول المنتظرة لمثل هذه الظاهرة بأيدي الدولة للقضاء على هذه الأسباب او التخفيف من حدتها. فالدولة مطالبة اكثر من غيرها بالعمل على تحسين الوضع الاجتماعي والمادي للناس وتطوير الوضع الاقتصادي و تحسين المناخ العام عبر إرساء أسباب «السعادة» داخل المجتمع والقضاء على كل مظاهر البؤس واللامساواة والظلم والتي تولد كلها العنف داخل الفرد. أما الحل الأمثل الذي ينادي به كثيرون فيبقى دائما تطبيق القانون والصرامة في التعاطي مع حالات العنف عبر الردع الأمني وعبر محاكمات يكون فيها العقاب متشددا دون تمتيع مرتكب العنف بظروف التخفيف، وخاصة ما ينادي به اغلب التونسيين اليوم وهو تنقيح القوانين للرفع من العقوبات المستوجبة.
فاضل الطياشي
يكاد يتحوّل العنف في بلادنا الى مشهد يومي لا تخلو منه مدينة او قرية او ريف. عنف مادي ولفظي يُرتكب ليلا نهارا وسط الشارع وعلى الطرقات بين السّواق وفي الأماكن العامة وفي المؤسسات التربوية وامامها، وفي مواقع العمل وداخل الإدارات وفي الأسواق ووسائل النقل، دون اعتبار العنف داخل البيوت وغيرها من الفضاءات الأخرى.. عنف يرتكبه الكهل والشاب والطفل والتلميذ والموظف والعامل والسائق والعاطل عن العمل، وترتكبه المرأة كما الرجل. أما الدوافع فهي عديدة منها سوء التفاهم بين طرفين وأخطرها العنف بدافع ارتكاب جريمة وفي مقدمتها جرائم «البراكاج» والسرقة.
ظاهرة أصبحت تتفاقم من يوم إلى آخر وهو ما تكشفه الصور والفيديوهات المتناقلة كل دقيقة وكل ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي عن السرقات و«البراكاجات» والمعارك اللفظية والمادية، وتؤكده أيضا ارقام الايقافات المتعددة التي تنفذها الأجهزة الأمنية على مدار الساعة وكذلك جلسات «العنف» التي تشهدها المحاكم يوميا. وفي كل مرة يكون التساؤل دائما عن الأسباب المباشرة والعميقة التي تؤدي الى كل هذا العنف وخاصة العنف الذي لا يقابله أحيانا أي مبرر او يكون مبالغا فيه. ويكون التساؤل بالخصوص عن الحلول الضرورية والمستعجلة التي طال انتظارها لوقف النزيف ودرء الخطر وإعادة الطمأنينة الى الناس.
لا يختلف اثنان في ان منسوب العنف المتنامي اصبح يلقي بظلاله على الحياة اليومية للتونسيين وخاصة على الوضع الاقتصادي والتنموي وعلى مستوى الرقي في المجتمع. إذ لا يمكن بناء اقتصاد قوي دون مجتمع «مُطمئنّ» ودون حركية تجارية وترفيهية واستهلاكية مرتفعة، والتي لا يمكن بلوغها إذا كان خطر العنف يخيم في النهار كما في الليل على الشارع وعلى وسائل النقل وفي الطرقات . فالخوف من العنف اصبح يمنع كثيرين من ممارسة حياتهم اليومية بشكل عادي واصبح كثيرون يتجنبون الخروج او التنقل ويفضلون البقاء في المنزل او في أماكن محدودة توقيا من الخطر.
وأكثر من ذلك اصبح الخوف من العنف يدفع الى «النوم المبكر» في المدن، بما في ذلك العاصمة تونس والمدن السياحية الكبرى. فعديد المتاجر والمطاعم وفضاءات الترفيه أصبحت تضطر لغلق أبوابها قبل السادسة او السابعة مساء، وكثيرون اصبحوا يتجنبون استعمال وسائل النقل العمومي او سياراتهم الخاصة ليلا للتنقل، بل ان عديد أصحاب سيارات التاكسي اصبحوا يخشون العمل ليلا او نحو بعض الأماكن المعينة. وكل ذلك لا يمكن ان تكون نتيجته سوى شلالا اقتصاديا وتجاريا «قاتلا»، عكس ما نراه في أغلب العواصم والمدن الكبرى في العالم حيث لا تهدأ الحركة طوال الليل والنهار.
ورغم ما تبذله مختلف أجهزة الدولة، من سلطات امنية وقضائية لردع العنف، إلا أن الظاهرة تبدو في حاجة إلى مزيد من الحلول الأخرى الأنجع عبر البحث أولا عن الأسباب ثم في ما بعد عن الحلول. ومن بين الأسباب التي يبرر بها البعض انتشار العنف هو الوضع النفسي والمعنوي لدى فئة كبرى من التونسيين نتيجة أوضاعهم الاجتماعية الصعبة مثل البطالة وغياب موارد الرزق وغلاء المعيشة والشعور أحيانا بالظلم والقهر بسبب أوضاع معينة. ومن الأسباب الأخرى أيضا نسق الحياة المتسارع و»المُدمّر» الذي يقضي على ملكة التفكير العقلاني والتصرف الهادئ لدى البعض ليحل محل ذلك العنف اللفظي والمادي.
ومن الطبيعي ان تكون أولى الحلول المنتظرة لمثل هذه الظاهرة بأيدي الدولة للقضاء على هذه الأسباب او التخفيف من حدتها. فالدولة مطالبة اكثر من غيرها بالعمل على تحسين الوضع الاجتماعي والمادي للناس وتطوير الوضع الاقتصادي و تحسين المناخ العام عبر إرساء أسباب «السعادة» داخل المجتمع والقضاء على كل مظاهر البؤس واللامساواة والظلم والتي تولد كلها العنف داخل الفرد. أما الحل الأمثل الذي ينادي به كثيرون فيبقى دائما تطبيق القانون والصرامة في التعاطي مع حالات العنف عبر الردع الأمني وعبر محاكمات يكون فيها العقاب متشددا دون تمتيع مرتكب العنف بظروف التخفيف، وخاصة ما ينادي به اغلب التونسيين اليوم وهو تنقيح القوانين للرفع من العقوبات المستوجبة.
فاضل الطياشي