مع الشروق.. لا تتركوا أبناءنا فرائس للجهل والتسيّب والفوضى!

مع الشروق.. لا تتركوا أبناءنا فرائس للجهل والتسيّب والفوضى!

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/09/15

عندما نقول في تونس أن ثروتنا الإنسان ورأس مالنا المواطن التونسي فذلك يعني أن الرهان كامل على تنمية العنصر البشري الذي تدور حوله عملية البناء والتطوير. رهان كرّسه الزعيم الراحل والخالد الحبيب بورقيبة منذ سنوات الاستقلال الأولى. حين اتجهت عنايته وسياساته وخططه إلى تعميم التعليم العمومي وجعله إلى جانب الصحة العمومية محور وأداة التطوير الشاملة التي باشرتها دولة الاستقلال منذ شهور الانعتاق من الاحتلال الفرنسي الأولى.
وعلى هذا الدرب مشَتْ المدرسة العمومية وخرّجت وكوّنت مئات الآلاف من الإطارات والكوادر في شتى مناحي الحياة...
وقد شكّل هؤلاء كفاءات نادرة مكّنت في مرحلة أولى من تونسة كل الإدارات والأسلاك ومكنت في مرحلة ثانية من إعلاء شأن المدرسة العمومية التي انتشر إشعاعها في كل الأصقاع ومثلت خير سفراء لتونس الحديثة والمتطورة.
وإذا أردنا اليوم أن نسأل عن حال البلاد فإن ذلك يبدأ حتما ويمر بالتأكيد عبر السؤال عن حال التعليم العمومي وعن أوضاع المدرسة العمومية. وفي هذا الباب فإن الجواب واضح وصريح وتلهج به مستويات مدارسنا ومستويات أجيالنا وكذلك حجم الدمار الذي لحق كل مكونات العملية التربوية. مدارس وبنية تحتية منهارة. وفضاءات لا تصلح أحيانا حتى لاستقبال البشر فما بالك باحتضان براعم نريد لها أن تنهل من العلم والمعرفة وأن تتكون وتتأهل لحمل المشعل غدا. تلاميذ أصبحت المدرسة في أحيان كثيرة آخر اهتماماتهم وأصبح التحصيل العلمي والمعرفي آخر ما يرغبون في التزود به، وأصبحت أحلامهم تحوم حول آليات «الحرقة» وأصبح طموحهم منحصرا في ما وراء البحار. والآلاف المؤلفة من التلاميذ الذين تلفظهم المدرسة العمومية سنويا (تقدر الأعداد بحوالي 120 ألفا سنويا في السنوات العشر الأخيرة) تبقى خير مثال على سقوط المنظومة التربوية وانهيار مكانة التعليم كمصعد اجتماعي. ليس هذا  فقط بل إن الإطار التربوي من أساتذة ومعلمين لحقه نصيب من مناخ التردي العام. ذلك أن الظروف المادية العامة والخاصة التي يمارسون فيها وتدهور قدرتهم الشرائية تؤثر أيما تأثير على عطائهم داخل الأقسام. ثم إن استقالة الأولياء ولا مبالاة التلاميذ تقع على كاهل الإطار التربوي. كما أن انهيار مكانة التعليم وانهيار قدسية العملية التربوية من شأنهما أن يعمّقا الإحباط ويزيدان في تدهور عملية التحصيل العلمي والمعرفي... لتتوسع دائرة الجهل والرداءة ويقع المجتمع في المحظور.
انهيار التعليم العمومي لم يبدأ اليوم ولا البارحة وأجراس الإنذار ظلت تقرع من سنوات وربما من عقود، لكن أهل السياسة وأصحاب القرار نيام. وقد زادت الأوضاع تدهورا في السنوات العشر الأخيرة التي انهارت فيها كل القيم وحصل فيها الانفصام الكامل بين سياسيين غارقين في نشوة السلطة ومنهمكين في صراعاتها العبثية وبين مجتمع يعج بالانحرافات ويغرق في التهميش وفي الصعوبات الاقتصادية ويفقد بوصلته ومعها كل مرجعياته وكل قدراته على تصويب الاعوجاج والأخطاء...
من يتحدث عن إصلاح التعليم وسط هذا المشهد العبثي؟ ومن يلتفت إلى المدرسة العمومية؟ ومن يرسم مستقبل أجيالنا وهم أساسا مستقبل تونس؟
ومن يذكّر القوم بأننا بصدد التفريط في رأس مالنا عندما ندع فلذات أكبادنا فرائس للجهل وللتسيب وللفوضى؟ من يقول أننا بصدد زرع الأشواك وبأننا لن نجني إلا الجراح... وبأننا بصدد زرع الرياح ولن نجني منها إلا العواصف؟
أسئلة حائرة سيحملها أكثر من مليوني تلميذ وتلميذة وهم يأخذون اليوم طريق العودة إلى المدارس.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك