مع الشروق .. كيف نمنع صعود الفاسدين إلى السلطة؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/07/13
لم تهدأ الحرب على الفساد والفاسدين منذ اندلاع الثورة ببلادنا . في الأوّل قامت على أساس استئصال النظام السابق والعائلة الحاكمة والإطاحة به ، ثمّ توسّعت لتكون ورقة سياسية لدى الأحزاب الحاكمة يلوّح بها كل من يغازل كرسيّ الحُكم ويتعامل مع الشّعب بمنطق تعْبئة الخزان الانتخابي.
لتأخذ هذه الحرب عنوانا بارزا مع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد (وهو المورّط بدوره في الفساد ) عندما أعلن خوضه معركة على الفساد مثل حمْلة الأيادي النظيفة التي شنّها " القاضي الشجّاع" أنطونيو ديبتري منذ أربع سنوات في إيطاليا .
بعد الشاهد تداولت الحكومات المتعاقبة على رفع نفس الشعار ،وخاض الرئيس قيس سعيّد بعد ذلك الحرب بنفسه لتتوسّع الدائرة إلى قضاة وأمنيين ومسؤولين في الدولة ووزراء سابقين و إعلاميين ورجال أعمال وأعضاء في حكومة الرئيس نفسه ،وتأخذ القاطرة بذلك طريقها إلى الإطاحة بكل من خوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء تدوير أصابعه الحمراء في خزينة الدولة أو التلاعب بها بأيّ شكل من الأشكال.
وقد تبنى أعضاء الحكومة الحالية نفس التمشي منذ دعا الرئيس سعيّد إلى النّبش في مؤسسات الدولة والتدقيق في شهائد المسؤولين بعدما فاحت رائحة التوظيف في مناصب عليا وهامّة بشهائد مزوّرة في صلب الإدارة التونسية . ومن ثمّة أعلنت كل وزارة برنامج عمل لتنقية الخيط الأبيض من الأسود في دواليبها واتخاذ الإجراءات اللازمة في شأن المتحيّلين والمتجاوزين وما تزال الحملة متواصلة .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ بين الحين والآخر يخرج علينا وزير من الحكومة ليعلن إحالة ملفات بعض المسؤولين الفاسدين على القضاء والتوعّد بالمحاسبة،وآخرها منذ ساعات إعلان وزير الفلاحة عن إحالة مجموعة من المسؤولين على القضاء بسبب ملفات فساد لم تُفصح الوزارة المعنية عن تفاصيلها.
منذ الثورة إلى اليوم، أي لحوالي أربع عشرة سنة ، ونفس الإسطوانة تُدار على أكثر من واجهة وأكثر من اتجاه ، حتّى اقتحم الحديث عن الفساد والفاسدين معيشنا اليوميّ، وانخرط المواطن التونسي بنفسه في المعركة بنقل الصور و المعلومات والأخبار بغثّها وسمينها وصدقها وباطلها ، وقد حوّل شبكات التواصل الاجتماعي إلى منصّة للتشهير ومحكمة افتراضية تدفع إلى الكشف عن الحقائق الغائمة وما تُخْفيه الغابة.
وارتفع نتيجة هذا الإغراق في محاربة الفساد ، وتعقّب الأصابع الحمراء ، المختلسة والمرتشية والمتآمرة والمتلاعبة بالصفقات والإمضاءات وغيرها ،ارتفع منسوب التوجّس وشنّ الجميع حرب الكلّ ضد الكلّ الفاسد ، فلم نعد نفهم الصالح من الطالح ، حتى باتت أبواب السجن مفتوحة على مصراعيها أمام الجميع في أيّ لحظة ولا تستثني أيّ قطاع من القطاعات ولم تعد تصدمنا الحقائق والخيانات .
والمفزع أنّ كل من تورّطوا من ذوي الأيادي الملوّثة لم يكونوا حكرا على النظام السابق فحسب ، بل هبّت ريح الفساد على جميع الحكومات دون استثناء ، من عشرية الخراب التي حلّت ببلادنا إلى فترة حكم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فكم من مسؤول في الحكومة وفي مناصب حساسة مُنح الثقة وتمّ إئتمانه على البلاد وأدّى اليمين ليخرج بدوره بأياد وسخة ويقترف جريمة خيانته لوطنه وشعبه.
هذا ما يجرّنا إلى سؤال أهمّ ، لماذا يصعد الفاسد إلى الحكم؟ بل كيف نمنع الفاسدين من الصعود إلى مراكز القرار والحال أنّ كل حكومة تصعد إلا ويتسلل إليها الفاسد ؟ . يظل السؤال حائرا في ظل غياب الوازع الوطني والقيميّ أمام المغريات والمؤثّرات، وسطوة حبّ السلطة والنفوذ ، واستحواذ الفردانية والأنانية لدى الكثيرين . وأمثال هؤلاء ممن خانوا تونس وهم في فرار أو في السّجون لا يمكن التوقّي منهم بكشف مبكّر للكذب و بفحص مُسبق للضمائر ، لأن القضية الأمّ تتلخّص في ذلك الحبل السرّي الذي يربط التونسيّ بوطنه حتّى يحبّه خارج المصلحة حبّا خالصا غير قابل للبيع و لا الشراء ...
هذا لا يُدرّس في أعتى الجامعات ولا يُضمن بالشهائد العليا والألقاب العلمية، إنّما هي عقيدة العطاء بلا مقابل لوطن نموت ...نموت ويحيا آمنا... وهذا ما وعى به الرّئيس قيس سعيّد في حربه الحاسمة على الخونة والفاسدين ونأمل أن تكون حرب تطهير شاملة من الأعماق يمكن أن تهيّئ أرضية البناء السليم مستقبلا.
وحيدة المي
لم تهدأ الحرب على الفساد والفاسدين منذ اندلاع الثورة ببلادنا . في الأوّل قامت على أساس استئصال النظام السابق والعائلة الحاكمة والإطاحة به ، ثمّ توسّعت لتكون ورقة سياسية لدى الأحزاب الحاكمة يلوّح بها كل من يغازل كرسيّ الحُكم ويتعامل مع الشّعب بمنطق تعْبئة الخزان الانتخابي.
لتأخذ هذه الحرب عنوانا بارزا مع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد (وهو المورّط بدوره في الفساد ) عندما أعلن خوضه معركة على الفساد مثل حمْلة الأيادي النظيفة التي شنّها " القاضي الشجّاع" أنطونيو ديبتري منذ أربع سنوات في إيطاليا .
بعد الشاهد تداولت الحكومات المتعاقبة على رفع نفس الشعار ،وخاض الرئيس قيس سعيّد بعد ذلك الحرب بنفسه لتتوسّع الدائرة إلى قضاة وأمنيين ومسؤولين في الدولة ووزراء سابقين و إعلاميين ورجال أعمال وأعضاء في حكومة الرئيس نفسه ،وتأخذ القاطرة بذلك طريقها إلى الإطاحة بكل من خوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء تدوير أصابعه الحمراء في خزينة الدولة أو التلاعب بها بأيّ شكل من الأشكال.
وقد تبنى أعضاء الحكومة الحالية نفس التمشي منذ دعا الرئيس سعيّد إلى النّبش في مؤسسات الدولة والتدقيق في شهائد المسؤولين بعدما فاحت رائحة التوظيف في مناصب عليا وهامّة بشهائد مزوّرة في صلب الإدارة التونسية . ومن ثمّة أعلنت كل وزارة برنامج عمل لتنقية الخيط الأبيض من الأسود في دواليبها واتخاذ الإجراءات اللازمة في شأن المتحيّلين والمتجاوزين وما تزال الحملة متواصلة .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ بين الحين والآخر يخرج علينا وزير من الحكومة ليعلن إحالة ملفات بعض المسؤولين الفاسدين على القضاء والتوعّد بالمحاسبة،وآخرها منذ ساعات إعلان وزير الفلاحة عن إحالة مجموعة من المسؤولين على القضاء بسبب ملفات فساد لم تُفصح الوزارة المعنية عن تفاصيلها.
منذ الثورة إلى اليوم، أي لحوالي أربع عشرة سنة ، ونفس الإسطوانة تُدار على أكثر من واجهة وأكثر من اتجاه ، حتّى اقتحم الحديث عن الفساد والفاسدين معيشنا اليوميّ، وانخرط المواطن التونسي بنفسه في المعركة بنقل الصور و المعلومات والأخبار بغثّها وسمينها وصدقها وباطلها ، وقد حوّل شبكات التواصل الاجتماعي إلى منصّة للتشهير ومحكمة افتراضية تدفع إلى الكشف عن الحقائق الغائمة وما تُخْفيه الغابة.
وارتفع نتيجة هذا الإغراق في محاربة الفساد ، وتعقّب الأصابع الحمراء ، المختلسة والمرتشية والمتآمرة والمتلاعبة بالصفقات والإمضاءات وغيرها ،ارتفع منسوب التوجّس وشنّ الجميع حرب الكلّ ضد الكلّ الفاسد ، فلم نعد نفهم الصالح من الطالح ، حتى باتت أبواب السجن مفتوحة على مصراعيها أمام الجميع في أيّ لحظة ولا تستثني أيّ قطاع من القطاعات ولم تعد تصدمنا الحقائق والخيانات .
والمفزع أنّ كل من تورّطوا من ذوي الأيادي الملوّثة لم يكونوا حكرا على النظام السابق فحسب ، بل هبّت ريح الفساد على جميع الحكومات دون استثناء ، من عشرية الخراب التي حلّت ببلادنا إلى فترة حكم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فكم من مسؤول في الحكومة وفي مناصب حساسة مُنح الثقة وتمّ إئتمانه على البلاد وأدّى اليمين ليخرج بدوره بأياد وسخة ويقترف جريمة خيانته لوطنه وشعبه.
هذا ما يجرّنا إلى سؤال أهمّ ، لماذا يصعد الفاسد إلى الحكم؟ بل كيف نمنع الفاسدين من الصعود إلى مراكز القرار والحال أنّ كل حكومة تصعد إلا ويتسلل إليها الفاسد ؟ . يظل السؤال حائرا في ظل غياب الوازع الوطني والقيميّ أمام المغريات والمؤثّرات، وسطوة حبّ السلطة والنفوذ ، واستحواذ الفردانية والأنانية لدى الكثيرين . وأمثال هؤلاء ممن خانوا تونس وهم في فرار أو في السّجون لا يمكن التوقّي منهم بكشف مبكّر للكذب و بفحص مُسبق للضمائر ، لأن القضية الأمّ تتلخّص في ذلك الحبل السرّي الذي يربط التونسيّ بوطنه حتّى يحبّه خارج المصلحة حبّا خالصا غير قابل للبيع و لا الشراء ...
هذا لا يُدرّس في أعتى الجامعات ولا يُضمن بالشهائد العليا والألقاب العلمية، إنّما هي عقيدة العطاء بلا مقابل لوطن نموت ...نموت ويحيا آمنا... وهذا ما وعى به الرّئيس قيس سعيّد في حربه الحاسمة على الخونة والفاسدين ونأمل أن تكون حرب تطهير شاملة من الأعماق يمكن أن تهيّئ أرضية البناء السليم مستقبلا.
وحيدة المي
