مع الشروق .. عيد الشغل .. وثقافة العمل في تونس

مع الشروق .. عيد الشغل .. وثقافة العمل في تونس

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/05/03

بقطع النظر عن حقيقة الأرقام والنسب التي وقع تداولها مؤخرا - بمناسبة عيد الشغل-  حول ضعف "ثقافة العمل" لدى التونسيين وحول تراجع مردودية الموظف والعامل في تونس وحول الفترة الحقيقية التي يقضيها في مباشرة العمل، إلا أن عديد الشكوك والمخاوف أصبحت اليوم مطروحة بشكل جدّي بخصوص هذا الموضوع.. فطوال السنوات الماضية، وخاصة منذ 2011، أصبحت تُوجّه للتونسي اتهامات بغياب "ثقافة العمل" بالنظر إلى ما أصبح سائدا من مظاهر تراجع المردودية والإنتاجية في القطاعين العام والخاص ومن مظاهر التغيب عن العمل وغيرها، والتي يمكن بسهولة ملاحظة تأثيرها السلبي على الوضع الاقتصادي والتنموي والاجتماعي في البلاد.
وثقافة العمل، القائمة أساسا على الكدّ والاجتهاد في إطار احترام القانون، وعلى المواظبة والرفع من المردود ومن الإنتاجية، أصبحت اليوم بشهادة كثيرين في تراجع لتحل محلّها في المقابل ثقافة التراخي والتهاون والتواكل في العمل وثقافة الجشع والرغبة في الربح السريع بأقل جهد ممكن حتى وإن تطلب ذلك الإضرار بمصالح الناس وبالمصلحة الوطنية.  وقد ساهم تساهل الإدارة ومختلف هياكل الدولة مع هذه المظاهر طيلة الأعوام المنقضية في مزيد استفحالها سواء في القطاع العام او الخاص.
ففي القطاع العام تراجع دور الدولة الرقابي والردعي الذي من المفروض ان لا يترك أي مجال للتهاون او للغياب او لضعف الإنتاجية والمردودية لدى العون العمومي. وهو ما أدى الى استفحال مظاهر التعطيل الإداري والى مزيد انتشار البيروقراطية التي يجد فيها البعض سندا لمزيد اهمال ثقافة العمل والاجتهاد لديهم وتعلة لعدم القيام بواجباتهم بشكل سريع وناجع . والمثير للاستغراب هو ما يجده بعض الأعوان العموميين داخل الإدارات من "حماية" تحول دون مراقبتهم وعقابهم رغم كل ذلك.  
وداخل القطاع الخاص، تعاني أيضا عديد المؤسسات الخاصة من هذه المظاهر نتيجة غياب الرقابة والردع. وعلى صعيد آخر لم تنجح الدولة بالشكل الكافي في فرض ثقافة العمل "الخاصة" عبر التشجيع على المبادرة والابتكار وبعث المشاريع لتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية. وهو ما فسح المجال أمام ثقافة الأنشطة الممنوعة والتجارة الموازية وال"كُنترة" والتحيل والفساد والرشوة والاستيلاء على المال العام وخرق القوانين والمضاربة والاحتكار فقط من أجل تحقيق ربح سريع مع توفر غطاء سياسي او غيره يُمكن أصحابها من الإفلات من العقاب.
وخلال سنوات الاستقلال الأولى وبعض سنوات نظام بن علي، ظهرت بعض بوادر ثقافة العمل لدى شق واسع من التونسيين وبرزت تونس آنذاك كمثال يُحتذى به لدى بقية الدول في "الصعود" التنموي والاقتصادي والاجتماعي السريع القائم على احترام قيمة العمل. غير أن "التدمير" الذي شهدته ثقافة العمل في الأعوام الأخيرة مكن دول أخرى نامية من تجاوزنا بفضل إرادة شعوبها ومجتمعاتها وبفضل حزم حكوماتها في التعاطي مع هذه المظاهر. ففي أغلب الدول اليوم، لا مجال للتلاعب بثقافة العمل" باعتبارها العمود الفقري للنماء الاقتصادي والاجتماعي بمختلف تفرعاته.
آن الأوان اليوم في تونس لإعادة الاعتبار أكثر من أي وقت مضى لثقافة العمل، وآن الأوان لأن تتدخّل الدولة بشكل حازم لفرضها. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتشدد في تطبيق القوانين والصرامة في معاقبة المخالفين إلى جانب وضع آلية لمكافأة وتشجيع المُتحلّين أكثر من غيرهم بثقافة العمل – في القطاعين العمومي والخاص- عسى أن يساهم ذلك في تحفيز البقية على التحلي بها أيضا. وكل ذلك لتخليص البلاد أقصى ما يمكن من "ثقافة" التواكل والتهاون والتراخي في العمل التي استفحلت كثيرا في الأعوام الأخيرة وأصبحت أبرز معطل للنمو في البلاد..
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك