مع الشروق.. طموحات ماكرون... أحلام أردوغان

مع الشروق.. طموحات ماكرون... أحلام أردوغان

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/11/01

واضح أن التصعيد بين فرنسا ماكرون وتركيا أردوغان قد أخذ الأمور إلى منعطفات خطيرة وبات يفتح على صدام حقيقي بين الغرب والشعوب الاسلامية.. يحدث هذا مع أن منطلق الخلاف ومنتهاه يتلخّص في طموح ماكرون لإعادة التموقع بفرنسا في إطارها الجيوستراتيجي وما يقابله من طموح أردوغان لإعادة احياء خلافة أجداده العثمانيين..
وحين تصطدم هذه الطموحات والحسابات في مياه المتوسط وتفتح على صراع إرادات معلن بين الطرفين، فإن كل الأسلحة  تصبح متاحة ومباحة لإحراج الخصم وتسجيل نقاط على حسابه.. نقاط سرعان ما تتحول إلى مناطق نفوذ ونوازع هيمنة يستعرض في سبيلها كل طرف عضلاته ويحرّك كل قطعه على رقعة الشطرنج.
ورقعة الشطرنج بين الطرفين رحبة وفسيحة وتمتد من ليبيا التي زرعت فيها فرنسا ساركوزي وكان الحصاد فيها للسلطان أردوغان... عندما جيّش ساركوزي ضد الشهيد معمر القذافي وحشد وراءه حلف شمال الأطلسي ليسقط نظاما وطنيا طمعا في وضع يده على ثروات ليبيا من نفط وغاز وغيرهما لكنه فوجئ بالأتراك يضعون أيديهم على الغنيمة في البر وفي البحر من خلال التغلغل داخل ليبيا ومن خلال ابرام اتفاقية مع حكومة السراج فتحت له خزائن خيرات ليبيا في أعماق الأرض وفي أعماق المحيطات..
لم يقف صراع الطرفين عند ليبيا.. بل امتد إلى شرق المتوسط الذي يكاد «ينفجر» بما يختزنه من كميات مهولة من الغاز التي تسيل لعاب فرنسا وتركيا وكل الدول المتشاطئة مثل مصر واليونان وقبرص. ماكرون وفي سياق حرصه على التموقع في سباق الظفر بنصيب من كعكة غاز المتوسط سارع إلى الاصطفاف وراء اليونان التي تزعمت جبهة التصدي لأحلام السلطان ومطامعه واستفزازاته المتكررة من خلال الارسال المتكرر لسفينة التنقيب «ريس عروج» لاستكشاف حقول الغاز في مناطق تعتبر اليونان انها مناطق متنازع عليها.. وتسعى إلى حشد فرنسا ومن ورائها الدول الأروبية للجم طموحات الغريم أردوغان وكبح اندفاعه نحو وضع يده على حقول الغاز. وقد تطوع الرئيس ماكرون المتحفّز بطبعه لاستعادة موقع فرنسا في الاقليم وبالتالي تأمين نصيبها من خيرات جوارها الاقليمي لتقديم العون العسكري والسياسي لليونان.. وللدخول في صراع معلن ومفتوح مع أردوغان وهو ما جعل علاقات البلدين تسوء بشكل كبير وتدخل بالصراع في زواريب ومتاهات أخرى وصلت أصداؤها إلى اقليم «ناغورني كاراباخ» حيث تفتح ساحة مواجهة سياسية حتى الآن بين الطرفين...
بالمحصلة أخذ الصراع منحى شخصيا بين الرئيسين وهو ما أباح لكل واحد الزج بكامل ترسانته في الحرب الكلامية التي دفعت بالأمور أحيانا إلى حافة المواجهة العسكرية... لحظة التقطها ماكرون لإعلان حرب شاملة على الاسلام السياسي المعشش في فرنسا والذي يرتبط روحيا وعقائديا بالسلطان أردوغان الذي يرفع راية الخلافة ويحرّك «جنوده» في كل الاتجاهات في سبيل إعادة احيائها.. مرة بالقوة الصاخبة كما حدث في سوريا وليبيا ومرات بالقوة الناعمة كما يحدث في تونس وفي كثير من الساحات العربية والأوروبية... عند هذه النقطة تصبح كل الانحرافات ممكنة ويسهل إعطاء صراع المصالح والنفوذ بين فرنسا وتركيا أبعادا أخرى يختلط فيها الديني بالحضاري... وهو ما يعيش على وقعه العالم الاسلامي من جهة والغرب من جهة أخرى منذ أيام إثر تعمد صحيفة «شارلي هيبدو» إعادة نشر الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم (صلعم) وإثر مجاهرة الرئيس ماكرون بانحيازه المطلق لهذا العمل الجبان والمدان تحت لافتة «حرية التعبير وقيم الجمهورية»... وهي لحظة دفعت إلى تأجيج مشاعر المسلمين التقطها أردوغان ليعطيها مضمونا اقتصاديا من خلال الدعوة لمقاطعة البضائع الفرنسية محاولا بالمناسبة تسجيل نقاط على حساب خصمه ماكرون في سياق صراع المصالح والنفوذ الذي يخوضانه...
فهل تفتح العقول والبصائر في الدول الاسلامية والغربية لرفع الغطاء عن هذا الصراع بين طموحات ماكرون وأحلام السلطان أردوغان والذي يتدثر بالدين ويجيش العواطف والمشاعر؟ أم ترى صراع الديكة بين ماكرون وأردوغان ينجح  في أخذ الأمور بعيدا عن سكة العداء والتصادم؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك