مع الشروق : داخل الكيان الغاصب...أزمة وجود مركّبة
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/30
في تصريح يعكس حالة التوتر والتخبط داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، خرج رئيس وزراء الكيان الغاصب ليعلن أن "إسرائيل ليست تابعة لأمريكا"، في ردّ على تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لمّح إلى إمكانية الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي.
لكنّ ما قاله نتنياهو لا يعدو أن يكون سوى حالة إنكار سياسي متأخرة، فإسرائيل لم تكن يوما دولة مستقلة القرار، بل ذراعا استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، تنفذ أجنداتها العسكرية والسياسية والاقتصادية تحت غطاء "التحالف" أو "الشراكة الخاصة".
حين يقول نتنياهو إن إسرائيل ليست تابعة لأمريكا، فهو يحاول أن يرفع عن كيانه وصمة التبعية المهينة في وقت تزايد فيه الحديث عن التململ داخل الإدارة الأمريكية من سياسات حكومته الفاشية، غير أن الوقائع على الأرض تفضح هذا الخطاب الشعبوي، من خلال مليارات الدولارات التي تقدّمها واشنطن كمساعدات مالية وعسكرية مباشرة للكيان الغاصب، والفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن الذي يقف سدّا أمام محاسبة تل أبيب على جرائمها في فلسطين ولبنان وغزة.
والثابت أن تصريحات ترامب الأخيرة لم تأتِ من فراغ، فحديثه عن "إمكانية الإفراج عن مروان البرغوثي"، لا يعبر عن رأي شخصي بقدر ما هو تأكيد على النفوذ الأمريكي داخل الكيان المحتل، والرئيس الأمريكي يدرك بوضوح أن الكيان الصهيوني لا يتحرّك في الملفات الكبرى دون ضوء أخضر من واشنطن، سواء تعلّق الأمر بالحرب على غزة أو بصفقات الأسرى أو حتى تشكيل الحكومة.
وحين يلوّح ترامب بفكرة من هذا النوع، فهو يرسل رسالة مزدوجة، فمن جهة، إلى الإسرائيليين ليذكرهم بأن مفاتيح اللعبة ليست بأيديهم، ومن جهة أخرى، إلى الأمريكيين أنفسهم بأنه قادر على إعادة ضبط إيقاع العلاقة بما يخدم مصالح واشنطن أولا.
أما ردّ نتنياهو، فلم يكن سوى محاولة يائسة لإثبات الذات داخل حكومة مرتبكة ومحرجة أمام العالم بعد المجازر التي ارتكبتها في غزة، والتي جعلت حتى أقرب حلفائها الغربيين يراجعون مواقفهم، ولذلك، حين يقول ترامب ما يجب فعله، فهو لا يقترح، بل يملي، وحين يتحدث نتنياهو عن "الاستقلال"، فهو لا يفعل سوى محاولة خداع الرأي العام المحلي المتطرف الذي يبحث عن شعور زائف بالسيادة.
وفي الواقع، تعيش إسرائيل اليوم أزمة وجودية مركّبة، فمن جهة، فقدت صورتها الأخلاقية أمام العالم بعد جرائمها في غزة، ومن جهة أخرى، بدأت تكتشف هشاشة موقعها داخل منظومة القرار الأمريكي، حيث تتنامى الأصوات داخل الكونغرس والإدارة تدعو إلى مراجعة الدعم غير المشروط لها، وما تصريح نتنياهو ليس سوى صرخة داخل كيان مرتبك يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين بأنه قادر على اتخاذ القرار، بينما الحقيقة أن القرار النهائي يُصاغ في واشنطن، لا في تل أبيب.
وفي النهاية، كل ما يفعله نتنياهو اليوم هو رفع صوته ليخفي الصدى الأمريكي الذي يوجّه كل أفعاله، فحين يتحدث ترامب، تنصت تل أبيب، وحين يلوّح البيت الأبيض، ينفّذ الكيان الصهيوني الذي ليس سوى أداة أمريكية بوجه محلي، أما الحديث عن "استقلال القرار الإسرائيلي"، فمجرد وهم يصدّقه فقط من يحتاج إلى كذبة يعيش بها وسط ركام الهزائم.
هاشم بوعزيز
في تصريح يعكس حالة التوتر والتخبط داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، خرج رئيس وزراء الكيان الغاصب ليعلن أن "إسرائيل ليست تابعة لأمريكا"، في ردّ على تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لمّح إلى إمكانية الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي.
لكنّ ما قاله نتنياهو لا يعدو أن يكون سوى حالة إنكار سياسي متأخرة، فإسرائيل لم تكن يوما دولة مستقلة القرار، بل ذراعا استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، تنفذ أجنداتها العسكرية والسياسية والاقتصادية تحت غطاء "التحالف" أو "الشراكة الخاصة".
حين يقول نتنياهو إن إسرائيل ليست تابعة لأمريكا، فهو يحاول أن يرفع عن كيانه وصمة التبعية المهينة في وقت تزايد فيه الحديث عن التململ داخل الإدارة الأمريكية من سياسات حكومته الفاشية، غير أن الوقائع على الأرض تفضح هذا الخطاب الشعبوي، من خلال مليارات الدولارات التي تقدّمها واشنطن كمساعدات مالية وعسكرية مباشرة للكيان الغاصب، والفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن الذي يقف سدّا أمام محاسبة تل أبيب على جرائمها في فلسطين ولبنان وغزة.
والثابت أن تصريحات ترامب الأخيرة لم تأتِ من فراغ، فحديثه عن "إمكانية الإفراج عن مروان البرغوثي"، لا يعبر عن رأي شخصي بقدر ما هو تأكيد على النفوذ الأمريكي داخل الكيان المحتل، والرئيس الأمريكي يدرك بوضوح أن الكيان الصهيوني لا يتحرّك في الملفات الكبرى دون ضوء أخضر من واشنطن، سواء تعلّق الأمر بالحرب على غزة أو بصفقات الأسرى أو حتى تشكيل الحكومة.
وحين يلوّح ترامب بفكرة من هذا النوع، فهو يرسل رسالة مزدوجة، فمن جهة، إلى الإسرائيليين ليذكرهم بأن مفاتيح اللعبة ليست بأيديهم، ومن جهة أخرى، إلى الأمريكيين أنفسهم بأنه قادر على إعادة ضبط إيقاع العلاقة بما يخدم مصالح واشنطن أولا.
أما ردّ نتنياهو، فلم يكن سوى محاولة يائسة لإثبات الذات داخل حكومة مرتبكة ومحرجة أمام العالم بعد المجازر التي ارتكبتها في غزة، والتي جعلت حتى أقرب حلفائها الغربيين يراجعون مواقفهم، ولذلك، حين يقول ترامب ما يجب فعله، فهو لا يقترح، بل يملي، وحين يتحدث نتنياهو عن "الاستقلال"، فهو لا يفعل سوى محاولة خداع الرأي العام المحلي المتطرف الذي يبحث عن شعور زائف بالسيادة.
وفي الواقع، تعيش إسرائيل اليوم أزمة وجودية مركّبة، فمن جهة، فقدت صورتها الأخلاقية أمام العالم بعد جرائمها في غزة، ومن جهة أخرى، بدأت تكتشف هشاشة موقعها داخل منظومة القرار الأمريكي، حيث تتنامى الأصوات داخل الكونغرس والإدارة تدعو إلى مراجعة الدعم غير المشروط لها، وما تصريح نتنياهو ليس سوى صرخة داخل كيان مرتبك يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين بأنه قادر على اتخاذ القرار، بينما الحقيقة أن القرار النهائي يُصاغ في واشنطن، لا في تل أبيب.
وفي النهاية، كل ما يفعله نتنياهو اليوم هو رفع صوته ليخفي الصدى الأمريكي الذي يوجّه كل أفعاله، فحين يتحدث ترامب، تنصت تل أبيب، وحين يلوّح البيت الأبيض، ينفّذ الكيان الصهيوني الذي ليس سوى أداة أمريكية بوجه محلي، أما الحديث عن "استقلال القرار الإسرائيلي"، فمجرد وهم يصدّقه فقط من يحتاج إلى كذبة يعيش بها وسط ركام الهزائم.
هاشم بوعزيز