مع الشروق : تشريعات العالـم تحمي أطفالها ...وتونس؟!

مع الشروق : تشريعات العالـم تحمي أطفالها ...وتونس؟!

تاريخ النشر : 20:02 - 2025/12/19

حسب الجمعية التونسية لوقاية الطفولة والشباب من مخاطر المعلوماتية، يستخدم 88 ٪ من الأطفال بين سنّ 13 و17 سنة وسائلَ التواصل الاجتماعي. وكَثْرةُ هذا العدد من مستخدمي العالم السيبراني، والمُبحرين في هذا الفضاء الشاسع، تجعل أغلب المراهقين واليافعين عُرضةً لمخاطر كثيرة ولجرائم الواقع التي اقتحمت العالم الافتراضي وحوّلته إلى فضاء محفوف بالمخاطر.
فالتحيّل، والابتزاز المادي والعاطفي، والتحرّش، والاستقطاب من الجانبين، والترويج لحياة مزيّفة، كلّها عوامل تضع هؤلاء الأطفال تحت ضغط نفسي دائم، وتدفعهم إلى مُقارنات بين واقع مُفبرك يبحرون فيه لساعات طويلة يوميًا، وواقعهم المعيش، مما يعمّق إحساسهم بالدّونية ويشحنهم بالعنف النفسي والحقد على الآخر، وحتّى على الدّولة التي تحتضنهم.
وهو ما يجرّهم أيضًا إلى الاكتئاب والانتحار، أو إلى النقمة على أسرة ووطن لم يمنحوهم – في اعتقادهم – الأفضل مثل غيرهم، خاصة وهم محاصرون لساعات طويلة بنجوم افتراضيين على شبكات التواصل الاجتماعي، يعيشون حياة وهمية قائمة على دعم المُستشهرين مقابل ترويج بضائعهم وسلعهم، فيسوّقون حضورهم التّجاريّ المموّل على أنه حياتهم الخاصة، ويغرق هؤلاء الأطفال والشّباب في مقارنات مدمّرة.
غير أنّ خطر الاستعمال المفرط وغير المؤطَّر لوسائل التواصل الاجتماعي لا يتوقف عند هذه المخاطر التي قد تنتهي بالارتماء في قوارب الموت، أو الوقوع في شبكات استقطاب الأطفال بأنواعها، بل يطال الجهاز النفسي والعصبي، ويُضعف قدرتهم على التركيز، ونتائجهم المدرسية، ويقلّص من مهاراتهم في الابتكار والخلق، وحتى من قدرتهم على التفكير السليم والمنطقي لحلّ مسألة حسابية أو كتابة جملة سليمة.
ولعلّ هذا التأثير العميق هو الأشدّ خطورة، لأنه يستهدف الدماغ و«ميكانيزمات» التفكير، ويُحدث شللًا لدى الطفل في أوج العمر، فيقتل عنده ملكة التخيّل والذكاء، ويحوّله إلى روبوت بشري تتحكّم فيه الخوارزميات والبرمجيات والتطبيقات العجيبة والغريبة التي يسيل لها لعابه كما الحلوى.
وشيئًا فشيئًا تُلقي الأزمة بظلالها عليه وتُقحمه في دوائر الضغط النفسي والعنف تجاه الذات، حيث يضع نفسه في ميزان المقارنات من كل جانب، وتتآكل مكتسباته التعليمية، ويصبح غير قادر على الفهم والاستيعاب، ولا على الصبر ورحابة الصدر، حتّى في إعداد الواجب المدرسي أو الحفظ للامتحان، باعتبار أن المادة الافتراضية التي يتقبّلها يوميًا قائمة على السّرعة والاختزال والتلوّن وتغيّر المضامين والإبهار.
وأمام هذا الغزو الافتراضي، تحدث حالة من لتذويب، تذويب هؤلاء الأطفال واليافعين في عالم عميق ومذهل، غير قادرين فيه على التفكير ولا على النقد ولا على رفض المحتوى الذي يُسوَّق إليهم، ولا حتّى على التحكّم في الزمن، إذ يلتهمهم بلا مكابح ولا أدوات تحكّم، لغياب النضج، فيكون ذلك على حساب الدّراسة، والأكل، وحتّى النّوم.
هذا السّلاح الناعم المدمّر أوجدت له عديد الدّول حلولًا للحدّ من تأثيراته على الأطفال، بمنعه داخل المدارس، بحيث لا يكون استعماله إلا في أوقات الفراغ عند العودة إلى البيت وتحت رقابة الأولياء . وتشير اليونسكو إلى أنّ أكثر من 79 دولة حول العالم تَحْظر الهواتف الذكية في المؤسسات التربوية بشكل قاطع.
وقد حسمت أستراليا الأمر بداية شهر ديسمبر الجاري بقانون يمنع استعمال شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها على من هم دون 16 سنة، لتصبح أول دولة عالميًا تطبّق حظرًا شاملًا لحماية الشباب من الضغوط النّفسية، والتحرّش، والمحتوى الضارّ المدمّر.
ومثلها تسير كوريا الجنوبية، إذ أعلنت أنها بصدد بحث تشريعات للحدّ من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المراهقين خلال السنة الجديدة، كما تخوض عدة ولايات أمريكية التحدّي نفسه، بمنع تام لهذه الوسائل وتحميل الشركات المعنية مسؤولية اختراق هذا الخط الأحمر.
ورغم هذا الخطر الذي وعت به عديد الدّول المنتِجة للتكنولوجيا والمروّجة لها، ما زلنا في تونس غير قادرين على وضع حدّ فاصل بين الطفل والهاتف الذكي، وهذه الغابة الافتراضية التي تحوّلت إلى متاهة، مَن يدخلها لا يخرج منها سالمًا. فمتى نعي هذا الخطر الذي يُنتج جيلًا مشلولًا في التّفكير والذّكاء والعطاء؟!.
وحيدة المي 

تعليقات الفيسبوك