مع الشروق : تحدّيات ومخاطر في غياب إصلاح شامل للتعليم
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/03
يبقى مجال التربية والتعليم على اختلاف الأزمنة مجالا تطل من خلاله أفعى الضغوط الاستعمارية برأسها القبيحة والخبيثة. وهي أفعى تحاول النفاذ إلى البرامج وإلى توجهات وثوابت العملية التربو٫ية في تونس لتسعى إلى التأثير فيها وتوجيهها بشكل يؤدي إلى ضرب الهوية العربية ـ الاسلامية للتلميذ التونسي.. فيصبح منبتّا غربي الهوى بلا جذور وبلا ثوابت.. ويتحول إلى ما يشبه القصبة التي تؤرجحها الرياح كيف تشاء. فتميل كما تشاء لها الرياح.
والرياح هنا لا تنفثها الطبيعة.. بل تنفثها دول. وتغذيها أموال وضغوطات وبرامج تعطيها الزخم اللازم والنجاعة المطلوبة لتفعل فعلها في الناشئة وتؤدي إلى تكوين أجيال متأثرة بثقافة الغالب ـ المستعمر وتابعة له فكريا وحضاريا واقتصاديا.. لذلك تتردّد في بلادنا وعلى امتداد عقود طويلة مقولة «الاصلاح التربوي» و«إصلاح التعليم». وتبرز الحاجة القصوى في الخطاب الرسمي وفي خطاب أهل الذكر وحتى لدى الرأي العام الوطني إلى بلورة هذا الاصلاح واعتماده على اعتبار أنه الأساس الصلب لبناء انسان تونسي مثقف ومتطور يعيش عصره ويتفاعل مع الحداثة لكنه متأصل في هويته، معتز بانتمائه الحضاري، ثابت على قيمه ومبادئه الوطنية.
لكن هذا الاصلاح يتأخر.. ويترنّح.. وتعاملت معه منظومات الحكم منذ بروز الحاجة إلى اعتماده كأنه «قنبلة موقوتة».. تأخذها حينا وتلقيها أحيانا.. هذا التردد الذي يعود إلى عدم توافق التونسيين خاصة منذ سنة 2011 على أسس ومضامين ومخرجات هذا الاصلاح.. ومعلوم أن هذا التأخير وهذا التردد يفتحان الباب للتجاذبات الداخلية ولمحاولات التدخل الخارجية مما يحول المنظومة التربوية إلى فضاء لتصادم الارادات وتضارب المصالح.. والخاسر الأكبر وسط كل هذا هي تونس والأجيال التي يتم تخريجها حيث بات تردي منتوج المنظومة التربوية لبلادنا يلمس لمس اليد ويلحظ بالعين المجرّدة. ليس هذا فقط بل إن أصابع التدخل الخارجي أصبحت تعلن عن نفسها بكل وقاحة من خلال تمويلات واغراءات وضغوطات ومنافع ومصالح (للبعض) بغية التأثير في المناهج والبرامج وفي المضامين التي يتم تقديمها للتلميذ التونسي وللطالب التونسي.
والأمثلة عديدة ومتنوعة في هذا الباب. وهي تتوزع بين بعض المناهج والبرامج التي يتم ضخها في المناهج التعليمية مثل مسألة التربية الجنسية والتي تتخذ مطية لتمرير مفاهيم ومضامين غريبة عن مجتمعنا، متصادمة مع قيمنا الثقافية والحضارية والدينية. وفوق هذا نجدها «تبشر» بما يسمى «الانسان الكوني» الذي يراد تدجين كل العالم من خلاله بواسطة أفكار شاذة وهدّامة يراد زرعها وتمريرها تحت غطاء «التربية الجنسية» و«الثقافة الجنسية». وقد استعرضت احدى النائبات لمجلس الشعب قبل أيام عيّنة من هذه المضامين المدسوسة بأحد الكتب (بالفرنسية) المعتمدة في الخامسة ابتدائي والتي فيها دعاية واضحة وصريحة للمثلية الجنسية. فهل هذا هو التلميذ التونسي الذي نريد أن نبنيه من خلال تأهيله على «الثقافة الجنسية»؟
أما المثال الأخير الذي نتوقف عنده فقد جاء في الحوار القيم الذي أجرته ـ الشروق ـ مع الأستاذ الجامعي وكاتب عام النقابة الأساسية بكلية الاداب والفنون والانسانيات بمنوبة والذي أعلن فيه رفض تدخل فرنسا في الاصلاح الجامعي. وهو تدخل يحاول التسلل متدثرا بالدعم المادي لـ«تأهيل وإعادة تأهيل الجامعة». ونحن ندرك مدى خطورة السموم التي يمكن أن تتسلل عبر هذه التمويلات الخبيثة والملغمة وكذلك عبر مسالك «التعاون» في مجالات الدراسات والبحوث الجامعية والتي ليست في النهاية إلا غطاء لخدمة «التطبيع مع الصهاينة» أو الفرنسة أو الأمركة وكلها تصبّ في خانة التغريب الفكري والحضاري. وكلها تشكل أوجها عدّة لمدّ استعماري يهاجمنا من كل الجبهات وأساسا من جبهة التربية والتعليم.
كل هذه التحديات والمخاطر باتت تضغط في اتجاه التعجيل بإصلاح منظومة التعليم بمختلف مستوياتها خاصة بعد ارساء المجلس الأعلى للتربية حتى نقطع الطريق على كل نوازع وأطماع الاستعمار الثقافي والهيمنة التي تحاول التسلل من جبهة التعليم والتربية وحتى نحصّن التلميذ التونسي والطالب التونسي والانسان التونسي عموما من كل الشرور التي تداهمه متدثرة بالحداثة والتطور (المزعومان) حينا.. وبالمساعدة على «التأهيل وعادة التأهيل» حينا.. وبالتعاون «العلمي الملغوم» أحيانا أخرى.
عبد الحميد الرياحي
يبقى مجال التربية والتعليم على اختلاف الأزمنة مجالا تطل من خلاله أفعى الضغوط الاستعمارية برأسها القبيحة والخبيثة. وهي أفعى تحاول النفاذ إلى البرامج وإلى توجهات وثوابت العملية التربو٫ية في تونس لتسعى إلى التأثير فيها وتوجيهها بشكل يؤدي إلى ضرب الهوية العربية ـ الاسلامية للتلميذ التونسي.. فيصبح منبتّا غربي الهوى بلا جذور وبلا ثوابت.. ويتحول إلى ما يشبه القصبة التي تؤرجحها الرياح كيف تشاء. فتميل كما تشاء لها الرياح.
والرياح هنا لا تنفثها الطبيعة.. بل تنفثها دول. وتغذيها أموال وضغوطات وبرامج تعطيها الزخم اللازم والنجاعة المطلوبة لتفعل فعلها في الناشئة وتؤدي إلى تكوين أجيال متأثرة بثقافة الغالب ـ المستعمر وتابعة له فكريا وحضاريا واقتصاديا.. لذلك تتردّد في بلادنا وعلى امتداد عقود طويلة مقولة «الاصلاح التربوي» و«إصلاح التعليم». وتبرز الحاجة القصوى في الخطاب الرسمي وفي خطاب أهل الذكر وحتى لدى الرأي العام الوطني إلى بلورة هذا الاصلاح واعتماده على اعتبار أنه الأساس الصلب لبناء انسان تونسي مثقف ومتطور يعيش عصره ويتفاعل مع الحداثة لكنه متأصل في هويته، معتز بانتمائه الحضاري، ثابت على قيمه ومبادئه الوطنية.
لكن هذا الاصلاح يتأخر.. ويترنّح.. وتعاملت معه منظومات الحكم منذ بروز الحاجة إلى اعتماده كأنه «قنبلة موقوتة».. تأخذها حينا وتلقيها أحيانا.. هذا التردد الذي يعود إلى عدم توافق التونسيين خاصة منذ سنة 2011 على أسس ومضامين ومخرجات هذا الاصلاح.. ومعلوم أن هذا التأخير وهذا التردد يفتحان الباب للتجاذبات الداخلية ولمحاولات التدخل الخارجية مما يحول المنظومة التربوية إلى فضاء لتصادم الارادات وتضارب المصالح.. والخاسر الأكبر وسط كل هذا هي تونس والأجيال التي يتم تخريجها حيث بات تردي منتوج المنظومة التربوية لبلادنا يلمس لمس اليد ويلحظ بالعين المجرّدة. ليس هذا فقط بل إن أصابع التدخل الخارجي أصبحت تعلن عن نفسها بكل وقاحة من خلال تمويلات واغراءات وضغوطات ومنافع ومصالح (للبعض) بغية التأثير في المناهج والبرامج وفي المضامين التي يتم تقديمها للتلميذ التونسي وللطالب التونسي.
والأمثلة عديدة ومتنوعة في هذا الباب. وهي تتوزع بين بعض المناهج والبرامج التي يتم ضخها في المناهج التعليمية مثل مسألة التربية الجنسية والتي تتخذ مطية لتمرير مفاهيم ومضامين غريبة عن مجتمعنا، متصادمة مع قيمنا الثقافية والحضارية والدينية. وفوق هذا نجدها «تبشر» بما يسمى «الانسان الكوني» الذي يراد تدجين كل العالم من خلاله بواسطة أفكار شاذة وهدّامة يراد زرعها وتمريرها تحت غطاء «التربية الجنسية» و«الثقافة الجنسية». وقد استعرضت احدى النائبات لمجلس الشعب قبل أيام عيّنة من هذه المضامين المدسوسة بأحد الكتب (بالفرنسية) المعتمدة في الخامسة ابتدائي والتي فيها دعاية واضحة وصريحة للمثلية الجنسية. فهل هذا هو التلميذ التونسي الذي نريد أن نبنيه من خلال تأهيله على «الثقافة الجنسية»؟
أما المثال الأخير الذي نتوقف عنده فقد جاء في الحوار القيم الذي أجرته ـ الشروق ـ مع الأستاذ الجامعي وكاتب عام النقابة الأساسية بكلية الاداب والفنون والانسانيات بمنوبة والذي أعلن فيه رفض تدخل فرنسا في الاصلاح الجامعي. وهو تدخل يحاول التسلل متدثرا بالدعم المادي لـ«تأهيل وإعادة تأهيل الجامعة». ونحن ندرك مدى خطورة السموم التي يمكن أن تتسلل عبر هذه التمويلات الخبيثة والملغمة وكذلك عبر مسالك «التعاون» في مجالات الدراسات والبحوث الجامعية والتي ليست في النهاية إلا غطاء لخدمة «التطبيع مع الصهاينة» أو الفرنسة أو الأمركة وكلها تصبّ في خانة التغريب الفكري والحضاري. وكلها تشكل أوجها عدّة لمدّ استعماري يهاجمنا من كل الجبهات وأساسا من جبهة التربية والتعليم.
كل هذه التحديات والمخاطر باتت تضغط في اتجاه التعجيل بإصلاح منظومة التعليم بمختلف مستوياتها خاصة بعد ارساء المجلس الأعلى للتربية حتى نقطع الطريق على كل نوازع وأطماع الاستعمار الثقافي والهيمنة التي تحاول التسلل من جبهة التعليم والتربية وحتى نحصّن التلميذ التونسي والطالب التونسي والانسان التونسي عموما من كل الشرور التي تداهمه متدثرة بالحداثة والتطور (المزعومان) حينا.. وبالمساعدة على «التأهيل وعادة التأهيل» حينا.. وبالتعاون «العلمي الملغوم» أحيانا أخرى.
عبد الحميد الرياحي