مع الشروق : الكيان وايران... من يصرخ أوّلا ؟

مع الشروق : الكيان وايران... من يصرخ أوّلا ؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/06/17

لا تبدو المواجهة المندلعة الآن بين الكيان الصهيوني المعتدي وإيران كسابقاتها. إذ تجاوزت مرحلة تبادل الضربات ودخلت مرحلة "تكسير العظام" مفادها "من يصرخ أولا ؟" ويرفع الراية البيضاء.
الهجوم الصهيوني الكبير المتواصل على طهران غير مسبوق، من حيث الكمّ والكيف والمناطق المستهدفة والقيادات العسكرية. والغرض هو شلّ القيادة والسيطرة تمهيدا لتفكيك النظام.
يعرف الكيان الصهيوني جيّدا أن تدمير البرنامج النووي المحصّن طبيعيا في قاع الجبال الايرانية، أمر مستحيل دون تدخّل الولايات المتحدة الأمريكية بصفة مباشرة. وهو أمر سيشعل المنطقة.
ورغم الضربة القوية الخاطفة، فإن الكيان الصهيوني فشل في تحقيق أهدافه. وهي إدخال البلاد في فوضى عارمة تكون مقدّمة للانقلاب على النظام في ايران كما جرى في سوريا تماما، وشل القدرة الصاروخية للحرس الثوري وتدمير البرنامج النووي.
والملاحظ أن الكيان الصهيوني يشنّ حربا نفسية كبيرة على ايران، من خلال مطالبة سكان العاصمة الايرانية بالمغادرة والإعلان أن الطريق إلى ايران أصبح ممهّدا. بينما في الخفاء يهرول لطلب المساعدة من أمريكا.ويطالب بتشكيل تحالف دولي للدفاع عن الكيان الصهيوني.
الواضح أن الكيان الصهيوني يريد حربا خاطفة لتحقيق أهدافه وتركيع ايران وتدجينها وسلبها إرادتها كبقية الدول المجاورة له. وإن فشل في ذلك فإنه يريد إدخال أمريكا والغرب في أتون الحرب.
فبالنسبة الى الاحتلال وقياداته المتطرّفة هذه المواجهة هي حرب وجودية. وهي حرب ضرورية، من أجل إكمال تسيّد الشرق الأوسط الذي تقف ايران كعقبة رئيسية في سبيل تحقيق ذلك.
وعلى الجانب الآخر، وعلى غير طبيعة الرد في "الوعد الصادقة 1 و 2"، فإن طهران اختارت هذه المرة عبر "الوعد الصادق 3" إظهار -تدريجيا- مدى قدرتها على إيلام الاحتلال وتحدّيه وإغراق عاصمته ومدنه بالصواريخ في مرحلة أولى.
وتبدو طهران رغم الضربات الصهيونية الموجعة، أنّها تتحسّب لمواجهة استنزافية طويلة. فهي تواجه كيانا مدعوما من حلف الناتو على رأسه أمريكا الذي يزوّدها بكل ما تحتاجه الآلة الحربية من عتاد وذخيرة ومعلومات ودفاعات. لكن طهران قد لا تصبر كثيرا كما عرف عليها في اتباع سياسة الصبر الاستراتيجي. وقد تتّجه نحو توجيه ضربات قاصمة بصواريخ ومسيّرات مدمّرة لم تستعمل بعد ولم يكشف عنها سابقا.
تحتاج ايران الى ضربة مدمّرة للكيان الصهيوني حتى تنهار جبهته الداخلية، للرد بالمثل على سعي الكيان الى تفتيت جبهته الداخلية والتشجيع على قلب النظام واثارة الفوضى. واذا قامت ايران بهذه الضربة فإنها بالتأكيد ستعيد الدم الى الدماغ الصهيوني الناشف والمتغطرس والارهابي.
هي إذن معركة إرادات وحسابات وصبر وتحمّل، ومعركة كر وفر تحكمها معادلات ردع وتوازن ليس بين الاحتلال وايران فحسب، بل بين القوى الكبرى الداعمة للجانبين والتي قد تنجرّ هي الأخرى الى المواجهة مكرهة.
وسط ذلك كلّه، تأخذ أمريكا موقف الداعم المتفرّج. فهي تريد من الاحتلال أن يأتيها بإيران راكعة ذليلة إلى طاولة المفاوضات على أقل تقدير، و كأقصى تقدير أن يسقط النظام وتعمّ الفوضى كهدف ذهبي.
وفي صورة الفشل في ذلك ومع ازدياد صمود ايران وتآكل الجبهة الداخلية للاحتلال وتكبّده خسائر فادحة، فإنها ستجد نفسها أمام خيارين، إما التدخّل بنفسها وهو أمر محفوف بمخاطر جمّة أو ان تجد مخرجا دبلوماسيا للاحتلال ولها بطبيعة الحال.
ولا ندري الى متى أو الى أين تسير هذه المواجهة المحفوفة بمخاطر كارثية على المنطقة وحتى على العالم. ولكن الأكيد أنها معركة إثبات وجود يريد منها الاحتلال القضاء على آخر عقبة أمام سيادته للشرق الأوسط. فيما تريد منها طهران مكرهة إثبات أنها ثابتة وصامدة ولا يمكن زعزعتها   أو زعزعة مكانتها ودورها في المنطقة.
بدرالدّين السّيّاري
 

تعليقات الفيسبوك