مع الشروق.. الفن الهابط بين عقوبة «ناي العار» والتربية الفنية

مع الشروق.. الفن الهابط بين عقوبة «ناي العار» والتربية الفنية

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/08/11

يذكر ان من بين العقوبات التي كانت تسلط على اصحاب الفن الهابط او الرديء في اوروبا خلال القرون الوسطى عقوبة ما يعرف بـ " ناي العار " التي كانت تنفذ ضد الموسيقيين  السيئين والفاشلين ! 
و "ناي العار" هي أداة تعذيب في شكل ناي او كلارينات من الحديد كانت تثبت على رقبة الموسيقيين السيئين والفاشلين بواسطة طوقٍ حديدي تُلْصَق عليه بإحكام يد الموسيقي ما يُحْدِث ألماً لا يُطاق . وتوجد نسخة من هذه الاداة الى اليوم في "متحف جرائم القرون الوسطى" في روتنبورغ في ألمانيا و "متحف التعذيب" في أمستردام. 
نسوق هذا المثال من العقوبات التي كانت تطبق في العصور القديمة تأكيدا على خطورة الفن الرديء او الهابط على المجتمع ، وأساسا في إفساد الذوق الفني العام. 
ولعل ما نعيشه اليوم في تونس والعالم العربي عموما من انحطاط وتردي في الذوق او التذوق الفني العام هو نتيجة انتشار الفن الهابط والرديء بين مختلف الفئات الاجتماعية وذلك بفضل الفضائيات ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي التي تقوم بالترويج لهذه البضاعة الرخيصة لغايات تجارية وربحية … 
صحيح ان ظاهرة انتشار الفن الهابط هي ظاهرة شاملة في الحقيقة ولا تقتصر على المجتمعات العربية فحسب ولكنها تكاد تكون محدودة او على الاقل منحصرة في فئات دون غيرها في المجتمعات الغربية ، والدليل ان هناك ابداعات فنية كثيرة ( مسرح ، اوبرا ، فنون تشكيلية … ) تعرض يوميا في المسارح والمعارض و الفضاءات الثقافية في اروبا و لها جمهور كبير يظل ينتظر احيانا اشهرا طويلة حتى يتمكن من مشاهدة عرض سمفوني او اوبرالي مثلا بسبب صعوبة الحصول على مقعد نتيجة كثافة الاقبال ، في حين ان غالبية الاعمال او الانتاجات الرائجة في تونس اليوم او على الاقل في المهرجانات الصيفية لهذا العام هي اعمال هجينة ومشوهة لا ترتقي الى الابداع الفني وفيها حتى ما وصف بالابتذال والرداءة والبذاءة ، ومع ذلك تستهوي هذه الاعمال اعدادا غفيرة من الجمهور يفوق بكثير عدد الجمهور الذي يقبل على الاعمال الفنية القيمة من الناحية الجمالية. 
ويعود انتشار أو رواج هذه الاعمال رغم بذاءتها لعدة اسباب ابرزها افتقار الجمهور الذي يقبل عليها للمعرفة الفنية و الجمالية و القدرة على التمييز بين الجميل و القبيح و ذلك نتيجة غياب او ضعف التربية الفنية على الاقل في المناهج التربوية و التعليمية ، اضف الى ذلك غياب النقد الفني الذي يمنح المتفرج تربية فنية اضافية … و في غياب كل هذا يجد الجمهور او المستهلك نفسه لقمة سائغة بين ايدي اصحاب هذه الاعمال و المروجين لها من خلال وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي يتحيلون عليه يوجهونه و يتحكمون في ذوقه الى ان يصبح مدمنا على بضاعتهم لا يختلف عن مدمن المخدرات. 
نحن لا ندعو الى تطبيق عقوبة " ناي الاهانة " على اصحاب الفن الهابط مثلما كان يفعل الاوروبيون في القرون الوسطى ولكن على الدولة ان تحمي الجمهور من هؤلاء المفسدين للذوق العام ليس بسن قوانين عقابية ضدهم وإنما بتحصين الجيل القادم من الجمهور على الاقل بتشجيع التربية الفنية في المناهج التربوية والتعليمة والتشجيع على النقد الفني والثقافي.
محسن عبد الرحمان 
 

تعليقات الفيسبوك