مع الشروق .. الخوصصــة القاتلــــة

مع الشروق .. الخوصصــة القاتلــــة

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/11/10

تعدّدت في العقود الماضية عمليات الإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي وفق ما تفرضه المؤسسات المالية الدولية الشريكة لتونس. و الناظر في هذه محاولات الإصلاح هذه سواء في ثمانينات القرن الماضي أو في منتصف التسعينات بعد انضمام تونس لمنظمة التجارة العالمية أنّها كانت تتمحور حول الخوصصة وتفريط الدولة في المؤسسات التي توفر لها عائدات مالية محترمة، لفائدة قطاع خاصّ ظل يبحث عن الامتيازات دون أن يقدّم شيئا للدولة أو المجتمع. وفي المقابل تم توظيف الدولة و أجهزتها ومؤسساتها لخدمة أجندات قوى النفوذ المالي الناشئة من عمليات الإصلاح الهيكلي، وعن الاقتصاد الموازي، فصارت مؤسسات الدولة هي التي ترسم الخطط الاقتصادية و تسنّ القوانين و التشريعات من أجل خدمة مصلحة تلك القوى حتى أنها بعد سنة 2011 باتت تتحكّم في مفاصل السياسة و تنشئ أحزابا أو كتلا برلمانية و تمرر من خلالها ما تريده من قوانين و تفرض المزيد من تفقير المؤسسات العمومية حتى تصبح هي القوى الاقتصادية الوحيدة و تحكم وثاقها على رقبة الدولة التونسية. و نجحت هذه القوى النافذة في تجيير ما تسمّى القوى الثورية لتكون خادمة مطيعة لها و لتغرقها في منافع خاصة. غير أن لحظة الخامس والعشرين من جويلية كانت اللحظة التي قطعت الأحلام الوردية لهذه التكتلات السياسية والاقتصادية، إذ جاءت القرارات المتتالية لترفع الغطاء عن سياسة خوصصة قاتلة انتهجتها الدولة التونسية منذ عقود، ربما تتكشف أبرز مظاهرها في ما يحدث في قطاع زيت الزيتون بعد بداية موسم الجني، حيث بدأت معركة كسر العظام واضحة بين الدولة و بين المضاربين المنتفعين من جهد نحو 400 ألف فلاح تونسي، ليضخوا مليارات الدولارات في حساباتهم الخاصّة فيما لا تحصل الدولة من هذه القطاع الحيوي إلاّ على الفتات المالي فيما يغرق الفلاحون في مديونية ثقيلة، أنتجت نتائج اجتماعية خطيرة أبرزها حالة تصحير  الرّيف و ترييف المدينة. فكيف تفرّط الدّولة في قطاع استراتيجي و حيوي مثل قطاع الزيتون الذي  هو بقيمة الذهب و البترول و المعادن الثمينة، وهو لو تم استثماره بطريقة تحقق للفلاحين عائدات محترمة لانعكس ذلك إيجابا على موارد الدولة وخزائنها. أمّا ترك هذا القطاع لفئة صغرى من المتلاعبين به ومن المستفيدين منه، فذلك سيعني استمرارا في المضاربة و حرمان الدولة من عائدات ضخمة. و نحن الآن في معركة فاصلة بين استرداد الدولة لزمام المبادرة و بين رغبة اللوبيات في إفشال أي تحوّل نحو الديمقراطية الاقتصادية التي هي الطريق نحو العدالة الاقتصادية و الاجتماعيّة.   كمال بالهادي

تعليقات الفيسبوك