مع الشروق.. الامتيـــازات والمحروقـــات

مع الشروق.. الامتيـــازات والمحروقـــات

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/01/24

في قرار لم يفاجئ السلطة القضائية ، أقر قيس سعيد تنقيح القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ليضع حدا للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
هذا القرارالذي سبقته انتقادات حادة من الرئيس للقضاء وبعض القضاة ، فُهم في هذه المرحلة على انه  ضرب للهياكل القضائية المستقلة وخطوة جديدة لإضعافه ووضعه تحت ضغط السلطة السياسية والسلطة التنفيذية.
القرار الذي يتجاوز في فلسفته العامة البعد المادي إلى المعنوي ، قُرئ على انه شيطنة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء كهيكل منتخب بل وضرب لكرامة العاملين في هذا المرفق أمام الرأي العام ، خاصة وان البلاغ الصادر عن الرئاسة كشف قيمة الامتيازات وحجم المحروقات !..
القرار شكل رجة قوية للسلطة القضائية والمواطنين الذين يتذمر بعضهم من القضاء سواء بسبب طول إجراءات التقاضي أو بسبب ما شاب القطاع من شبهات لم تشمل في الواقع كل القضاة لكنها اتجهت إلى البعض منهم وخاصة الذين عرفوا بولاءاتهم لبعض الأحزاب ، أو الذين شكلوا "أذرعتها القضائية"  كما يتردّد..
أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ، ولئن تبينت لهم نوايا رئيس الدولة سواء في المحافظة على المال العمومي أو كشفا لبعض الممارسات ، سارع بعضهم بالتأكيد على انه سيواصل مهامه صلب المجلس الذي نال هذه الامتيازات تحت أشعة الشمس وضوء القمر بمصادقة برلمانية أقرت هذه المنح ، كما أقرّت امتيازات مماثلة لهيئات أخرى بعضها تجاوزت مدة صلاحياتها ، وبعضها الآخر نافست في يوم ما سلطات الدولة .
وقد أدان المجلس "التدخل في عملهم وحملات الضغط والتشويه الممنهج والمستمر ضدهم والمس في اعتبارهم ، منبّها في بلاغ له من ''خطورة المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية" .
رئيس الجمهورية ، ومن باب "درء الشبهات" ، عليه أن يفتح ملف بقية الهيئات ويكشف عن حجم الامتيازات المعلومة في الواقع لدى التونسي ، لكنها باتت كالآيات القرآنية المنزلة التي لا تحتمل المناقشة والتأويل بل الإيمان والتسليم فقط.
صحيح إن الكشف عن هذه الامتيازات ووضع حد لها لا يشكل بابا من أبواب مكافحة الفساد ، لكن الوضعية المالية للدولة تستوجب تنازلا من الجميع وخاصة من الذين يحظون بامتيازات لا علاقة لها بضمان الاستقلالية والشفافية والحوكمة ، بل هي منح وعطاءات كان من الأحرى أن تتجه إلى أهداف أخرى في هذا الظرف المالي الدقيق أو تتجه إلى الطبقات المعدمة التي لا تجد ثمن رغيف خبز ..
أموال كثيرة توزع هنا وهناك على مسؤولين سامين في شكل امتيازات، بعضهم في مجالس الإدارات أو ولاة وغيرهم من الموظفين الذين يحظون بمنح هامة تكبر يوما بعد يوم بشكل تراكمي وعشوائي لا يستند في الواقع إلى منطق ولا يتلاءم مع الوضعية المالية لبقية موظفي الدولة ومرتباتهم التي تحتاج هي الأخرى إلى مراجعة عميقة في ظل ضعف المقدرة الشرائية ، فمع نفس الشهادة العلمية تختلف المرتبات بين موظف في القطاع العام وآخر في الوظيفة العمومية ..وهو ملف فتحه يمثل في تقديرنا ضرورة ضمانا للعدالة الاجتماعية. 
راشد شعور 
 

تعليقات الفيسبوك