مع الشروق : الأيادي الزّرقاء ولُعبة عُود الثّقاب وعلبة الكبريت!

مع الشروق : الأيادي الزّرقاء ولُعبة عُود الثّقاب وعلبة الكبريت!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/05/17

بات واضحا  ومؤكدا أنّ الفايسبوك تحوّل إلى ورشة لصناعة الكذب والإشاعة، وحاد عن دوره كأداة للتواصل والتعارف وتبادل الآراء  الفضفضة . إذ منذ يومين انتشرت الأخبار القائلة بحدوث عاصفة متوسطيّة  ستأتي على  تونس بعنف شديد بما لا يُحمد عُقباه من الأربعاء إلى الجمعة. وسرى الخبر سريان الماء في النّهر وكان محور التّفاعل والتّقاسم وإعادة النّشر من كثير من جمهور الفايسبوك ، وتناقل  التّونسي هذا الخوف في وسائل النّقل والشّارع والمقاهي ، وقُوبل خبر الإعصار المتوسطي بِهبّة تفاعليّة صدّقها حتّى من ركبوا على الصحافة  والمنابر الإعلاميّة تحت غطاء " الإعلاميّ " .
غير أنّ العاصفة المزعومة لم تحدث ، وها أنّ القناع  بعد  مرور ثلاثة أيّام  يسقط  مرّة أخرى على الفايسبوك ، ويتأكّد لنا  من جديد أنّ هذا الفضاء الافتراضي تُديره نوايا سيّئة ، تدفع بالمواطن إلى الخوف والارتياب والإحباط ، وتهدّده حتى في استقراره النّفسيّ وشعوره بالأمان الدّاخليّ  ،  فهذه الأيادي الزّرقاء ، لا تُهمل شاردة ولا واردة إلاّ وتسْعى إلى استغلالها وتوظيفها لجعل الفرد في قلق مستمر والزجّ به في حالة من الارتباك المتواصل ليكون غير مستقر على الدّوام ، عرضة  للخوف والتّرهيب وشدّ الأعْصاب ، وهذا طبعا ينطوي من الدّاخل  على خطورة قد لا يقدّر عواقبها البعض ، لأنّ الفرد يُكوّن الكُل، والمواطن يُكوّن المجتمع، واستقرار المجتمع  في النّهاية هو الضّامن لاستقرار البيت السّياسيّ، ومَن يرغب في جعل المجتمع في حالة من اللا استقرار واللا أمان عليه أن يمارس شتّى الضّغوط النّفسيّة على الفرد ليكون تحت ضغط مستمر ويتأهّب لأيّ انفجار لأبسط الأشياء أو يدور على بعضه البعض ، وحتّى تحترق عُلبة الكبْريت  كاملة من الضروري إشعال عود الثّقاب أوّلا !.
هذه الأيادي الزّرقاء تتحرّك من وراء السّتار بصفحات مجهولة  ومعلومة في بعض الأحيان،  تستغلّ الصّغيرة والكبيرة في ورشات صناعة الأخبار الزّائفة حتّى التغيّرات المناخية، وتَعطّل حافلة في الطريق ، وانزلاق  أحدهم في حفرة بالطريق العام ، وفقدان مادّة غذائيّة وغيرها، فهي تتصيّد كلّ شيء لتُخْرج منها عُبوّات تفجّرها بين النّاس في هذا الفضاء ، سرعان ما تتلقّفها الأيادي ويركب عليها الرّاكبون ويستغلّها أصحاب الأنفس الأمّارة بالسّوء، وتخضع لصب الزّيت على النّار ولا تخمد إلا بعد أن يتحوّل الفأر إلى فيل ، وتُثار البلبلة ويُرفع ضغط الشّارع بالشدّ والجذْب والأخْذ والردّ لينتبه المواطن المسكين في النّهاية إلى أنه مجرّد لعبة متحرّكة بين هذه الأيادي ، والغريب أنّه سرْعان  ما يسقط مرة أخرى في التّصديق  ويقع في الاحتيال.
إذن ما الحلّ، وكيف ينضج متلقي الفايسبوك ويحصّن نفسه من التّلاعب؟ . ذلك لن يكون سهلا،  فأساليب الاحتيال على جمهور  شبكات التواصل تتطوّر باستمرار ، والأمر لم يعد يقتصر على تسريب الوثائق أو الأخبار أو نشر الأسرار والفضاىح والتّصريحات ، بعد المرور إلى مرحلة متقدّمة من التحيّل أصبحت  تعتمد على تصنيع الكذب وتحويل الكذبة إلى كائن يتحرّك ويتكلّم في فيديوهات وتسجيلات واعترافات وحقائق ، حيث لا يمكن فرز الحقيقيّ  من المزيّف إلاّ لمن خبِروا  العالم الرقميّ. وبالتّالي فإنّ توعية المواطن وتحسيسه بخطورة هذا العالم العنكبوتيّ مهمّة من المفروض أن تتولاّها الوكالة التونسية للسّلامة المعلوماتية، بالومضات التوعويّة في وسائل الإعلام ووسائل التّواصل نفسها، وهي أيضا مسؤولية يتحمّلها المسؤول بأجهزة الدّولة بما يفرض عليه عند ترويج أيّ خبر من الأخبار  الزّائفة  الخروج إلى الجّميع لتكذيبها سواء ببيان رسميّ أو بخطاب مباشر حسب خطورة الخبر والحدث. فالصّمت يغذّي الإشاعة ويجعل هذه الأيادي الزّرقاء  التي لا تقل خطورة عن" اليد الحمراء " طويلة وطائلة ... إنّ الوعْي الجمعيّ  يُبنى بالحكمة والتَدبُّر لا بالصّمت  واللامبالاة.
وحيدة المي
 

تعليقات الفيسبوك