مع الشروق : اتجار بالبشر أم اتجار بالخبر؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/18
لم يكن ينقص مدينة صفاقس، بكل ما تحمله من تعب يومي وضغط اقتصادي، إلا أن يطلّ عليها في هذه الصائفة شبح إشاعة مروّعة قاتلة ، تتهم إحدى المصحات الخاصة بالاتجار بالأعضاء البشرية. إشاعة ثقيلة، خطيرة، ومرعبة، نسجتها بعض الصفحات في ركن مظلم من "الفايسبوك"، وبثّتها صفحات أخرى كما يُبثّ السمّ في العسل، لتتلقفها النفوس المريضة المرتعشة وتنقلها الأفواه المرتبكة دون تمحيص ولا تدقيق.
هكذا تحوّلت صفاقس عاصمة السياحة الاستشفائية، لساعات، إلى مسرح لحديث مريب عن "مشرط خفي" يستبيح الأجساد، ويبيع الأعضاء كما تُباع السلع. ومع أنّ الجهات شبه الرسمية نفت وأوضحت وكشفت أن الأمر يتعلق بواقعة طبية قديمة معروفة السياق، فإنّ آثار هذه الإشاعة بقيت أخطر من الحدث نفسه، لأنها تركت في الأذهان ندبة الخوف والريبة وفقدان الثقة في المؤسسات الاستشفائية.
الغريب والأدهى أن هذه الحادثة ليست معزولة، فالإشاعات في تونس تكاثرت في الفترة الأخيرة بشكل لافت لتتحوّل الى ظاهرة .. صفحات مظلمة تُتاجر بالخوف والتشكيك، تبث الأكاذيب عن كوارث وجرائم وأحداث وهمية، حتى صار بعض التونسيين يعيشون يومهم على وقع "إنذار افتراضي" متجدد.
والأخطر أن هذه الصفحات المشبوهة لا تبحث عن الانتشار وكثرة "الجامات" فقط، بل تُدار أحيانًا بأجندات سياسية أو تجارية رخيصة خسيسة، هدفها تمزيق الثقة بين المواطن ومؤسساته، ودفع المجتمع إلى حالة من الارتباك والشك الدائم.
الإشاعة، في زمننا الرقمي، أصبحت أسرع من الضوء، يكتبها في لحظة مريبة مريض حاقد، مليء بالضغينة والغل، لتنتشر كالنار في الهشيم، وتزرع في القلوب الريبة تجاه أطبائهم، مستشفياتهم، مؤسساتهم، بل تجاه وطنهم برمته، وعندما يفقد المجتمع الثقة، ينهار كل رابط إنساني وقيمي، وتصبح الشكوك أقوى من الحقائق.
إنّ أخطر ما في هذه الإشاعات هو التطبيع معها ، أن يضغط بعضهم على جام ببرود، وأن تُستباح سمعة مدينة أو مؤسسة أو أشخاص لمجرد نقرات على شاشة هاتف جوال، أن يضحك بعضهم من فاجعة خبر زائف، أو يتسلّى آخرون بنشرها وكأنها لعبة جماعية بريئة.. لا، ليس بريئًا، فالإشاعة جريمة، لأنها تقتل المعنويات، وتدمّر الثقة، وتتحول إلى تجارة بالخبر، بالأراجيف، وبالإشاعات المدمّرة.
وما يجب أن يُقال اليوم وغدا بل وبالامس وبكل وضوح: إنّ مقاومة الإشاعة ليست مسؤولية الدولة وحدها، ولا الإعلام وحده، بل هي واجب كل مواطن، فحين يرفض المواطن أن يكون أداة نشر وترويج، وحين يسأل نفسه قبل أن يضغط جام: هل هذا خبر حقيقي؟ هل من مصدر موثوق؟ عندها فقط نستطيع أن نضع حدًّا لهذا الطوفان من الاشاعات القاتلة المدمرة.
تونس لا تستحق أن تُجرح بسهام الوهم والكذب والإشاعة. فما تحتاجه اليوم هو إعلام جاد يفسر ويكشف يتلقى المعلومة بيسر من مصادرها، لا صفحات مظلمة تبث السموم..ولنحذر، جميعًا، من تحويل الفايسبوك إلى مصدر اعلامي بديل لأنّ الإشاعة والاخبار الفاسدة المغلوطة، متى صارت مصدر المعلومة لم نعد نتحدث عن مجتمع الجامعات والكليات والثقافة والادب والعلم..بل نتحدث عن مجتمع تتحكم فيه الاشاعات والتجارة بالخبر..
راشد شعور
لم يكن ينقص مدينة صفاقس، بكل ما تحمله من تعب يومي وضغط اقتصادي، إلا أن يطلّ عليها في هذه الصائفة شبح إشاعة مروّعة قاتلة ، تتهم إحدى المصحات الخاصة بالاتجار بالأعضاء البشرية. إشاعة ثقيلة، خطيرة، ومرعبة، نسجتها بعض الصفحات في ركن مظلم من "الفايسبوك"، وبثّتها صفحات أخرى كما يُبثّ السمّ في العسل، لتتلقفها النفوس المريضة المرتعشة وتنقلها الأفواه المرتبكة دون تمحيص ولا تدقيق.
هكذا تحوّلت صفاقس عاصمة السياحة الاستشفائية، لساعات، إلى مسرح لحديث مريب عن "مشرط خفي" يستبيح الأجساد، ويبيع الأعضاء كما تُباع السلع. ومع أنّ الجهات شبه الرسمية نفت وأوضحت وكشفت أن الأمر يتعلق بواقعة طبية قديمة معروفة السياق، فإنّ آثار هذه الإشاعة بقيت أخطر من الحدث نفسه، لأنها تركت في الأذهان ندبة الخوف والريبة وفقدان الثقة في المؤسسات الاستشفائية.
الغريب والأدهى أن هذه الحادثة ليست معزولة، فالإشاعات في تونس تكاثرت في الفترة الأخيرة بشكل لافت لتتحوّل الى ظاهرة .. صفحات مظلمة تُتاجر بالخوف والتشكيك، تبث الأكاذيب عن كوارث وجرائم وأحداث وهمية، حتى صار بعض التونسيين يعيشون يومهم على وقع "إنذار افتراضي" متجدد.
والأخطر أن هذه الصفحات المشبوهة لا تبحث عن الانتشار وكثرة "الجامات" فقط، بل تُدار أحيانًا بأجندات سياسية أو تجارية رخيصة خسيسة، هدفها تمزيق الثقة بين المواطن ومؤسساته، ودفع المجتمع إلى حالة من الارتباك والشك الدائم.
الإشاعة، في زمننا الرقمي، أصبحت أسرع من الضوء، يكتبها في لحظة مريبة مريض حاقد، مليء بالضغينة والغل، لتنتشر كالنار في الهشيم، وتزرع في القلوب الريبة تجاه أطبائهم، مستشفياتهم، مؤسساتهم، بل تجاه وطنهم برمته، وعندما يفقد المجتمع الثقة، ينهار كل رابط إنساني وقيمي، وتصبح الشكوك أقوى من الحقائق.
إنّ أخطر ما في هذه الإشاعات هو التطبيع معها ، أن يضغط بعضهم على جام ببرود، وأن تُستباح سمعة مدينة أو مؤسسة أو أشخاص لمجرد نقرات على شاشة هاتف جوال، أن يضحك بعضهم من فاجعة خبر زائف، أو يتسلّى آخرون بنشرها وكأنها لعبة جماعية بريئة.. لا، ليس بريئًا، فالإشاعة جريمة، لأنها تقتل المعنويات، وتدمّر الثقة، وتتحول إلى تجارة بالخبر، بالأراجيف، وبالإشاعات المدمّرة.
وما يجب أن يُقال اليوم وغدا بل وبالامس وبكل وضوح: إنّ مقاومة الإشاعة ليست مسؤولية الدولة وحدها، ولا الإعلام وحده، بل هي واجب كل مواطن، فحين يرفض المواطن أن يكون أداة نشر وترويج، وحين يسأل نفسه قبل أن يضغط جام: هل هذا خبر حقيقي؟ هل من مصدر موثوق؟ عندها فقط نستطيع أن نضع حدًّا لهذا الطوفان من الاشاعات القاتلة المدمرة.
تونس لا تستحق أن تُجرح بسهام الوهم والكذب والإشاعة. فما تحتاجه اليوم هو إعلام جاد يفسر ويكشف يتلقى المعلومة بيسر من مصادرها، لا صفحات مظلمة تبث السموم..ولنحذر، جميعًا، من تحويل الفايسبوك إلى مصدر اعلامي بديل لأنّ الإشاعة والاخبار الفاسدة المغلوطة، متى صارت مصدر المعلومة لم نعد نتحدث عن مجتمع الجامعات والكليات والثقافة والادب والعلم..بل نتحدث عن مجتمع تتحكم فيه الاشاعات والتجارة بالخبر..
راشد شعور
