مع الشروق.. إصلاحات «مُوجعة»... وخطر اجتماعي

مع الشروق.. إصلاحات «مُوجعة»... وخطر اجتماعي

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/04/15

لن تكون الزيادة التي أقرتها الدولة أمس في أسعار المحروقات هي الأخيرة في تونس، لأن القادم سيكون حمّالا لأكثر من زيادة في أسعار البنزين والكهرباء والغاز وغيرها من الزيادات في أسعار مختلف المواد بما في ذلك السلع المعيشية الحساسة.. فالبلاد دخلت مرحلة جديدة تقوم على جملة من الإجراءات "الموجعة" وذلك بطلب من صندوق النقد الدولي مقابل تمكين تونس من قرض جديد هي في أشد الحاجة إليه، وستكون انعكاساتها سلبية على معيشة المواطن.
الآن يمكن القول أن فترة تأجيل تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي قد انتهت وان ما لجأت إليه الحكومات السابقة من مماطلة وتعطيل في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من الصندوق لن تقدر عليه اليوم حكومة نجلاء بودن. فالدولة اليوم أمام خيار وحيد وهو سدّ عجز الميزانية الذي اتسع بشكل كبير هذا العام، ولا إمكانية لذلك دون الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ولا إمكانية للحصول على القرض دون إصلاحات "موجعة" يطالب بها الصندوق.
وعلى التونسيين اليوم الاستعداد أكثر لتحمل المزيد من الإجراءات والقرارات المؤلمة مستقبلا. فالدعم سيُرفع تدريجيا عن السلع المعيشية الأساسية وهو ما يعني أن أغلب الأسعار سترتفع، أبرزها أسعار الغذاء والدواء والصحة والخدمات العمومية والنقل. ونفقات الدولة في المجال الاجتماعي ستتقلص وهو ما سيزيد من حدّة الصعوبات المعيشية لدى الفئات الهشة والفقيرة. كما أن قرار إيقاف الانتدابات في القطاع العام سيتواصل وهو ما يعني مزيد ارتفاع معدلات البطالة.
ولن يقدر التونسيون على تحمّل هذه التغيرات المتسارعة في معيشتهم بسهولة، وهو ما يُرشّح لاتساع رقعة الغضب الشعبي والاحتقان الاجتماعي في الفترة القادمة ما لم تتخذ الدولة الاحتياطات اللازمة لتفادي الخطر.. فالإجراءات الموجعة ستمسّ مباشرة "البطون" لأنها ستخلق صعوبات لدى المواطن في تأمين حاجياته الغذائية، وهي من أخطر النتائج التي يمكن أن تحدث لأن الجوع مثّل على مرّ التاريخ في العالم أحد أبرز أسباب الثورات والاحتجاجات والحروب الاهلية..
وإذا كان التونسيون غير قادرين اليوم على تحمل المزيد من الصعوبات والتضييقات المعيشية بحكم هشاشة الوضع المالي لأغلب فئات المجتمع وخاصة غياب الادخار لديها، فإن الدولة مطالبة بأن لا تبقى مكتوفة الأيدي وألا تكتفي فقط بتنفيذ الاملاءات والحصول على القروض والتمويلات. إذ لا خيار أمامها للمحافظة على الاستقرار والهدوء الاجتماعي غير العمل على استنباط أكثر ما يمكن من حلول وبدائل تمتص من خلالها ما سيترتب من صعوبات معيشية للمواطن.
فالدولة مطالبة بتكثيف الجهود لمزيد رفع الاستثمارات الداخلية والأجنبية وذلك لخلق مواطن شغل إضافية للعاطلين. وهي مطالبة أيضا بالعمل على توجيه الدعم نحو مستحقيه وعدم حرمان الفئات الهشة والفقيرة منه حتى لا تتفاقم معاناتهم نحو الأسوأ. كما أنها مطالبة بالعناية أيضا بالطبقة المتوسطة التي تمثل محركا أساسيا في الدورة الاقتصادية، وذلك من خلال التفكير في دعم الأجور والمداخيل حتى لا يتأثر الاقتصاد بضعف وهشاشة هذه الطبقة.
وعلى الدولة اليوم التوجه نحو حلول جديدة لتوفير اعتمادات ومداخيل مالية من مصادر أخرى غير الجباية وغير الترفيع في أسعار المحروقات وغير التقليص من نفقات الدعم. ففي تونس تتوفر عديد الفرص والإمكانات القادرة على توفير مداخيل كبرى للدولة أبرزها مزيد العناية بقطاع الفسفاط ومكافحة التهرب الضريبي وإدماج الاقتصاد الموازي في الدورة المنظمة والتوجه نحو الطاقات المتجددة وتكثيف الإنتاج الفلاحي. أما مواصلة الاعتماد على الحلول المعمول بها حاليا بناء على إملاءات صندوق النقد الدولي فإنه لن يزيد الوضع الاجتماعي إلا احتقانا لا تُعرف عواقبه خاصة إذا ما أصبحت الزيادات في الأسعار بلا حدود.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك