مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة

مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/05/21

في ظل الأحداث المتشابكة و المتسارعة في الأربع و عشرين ساعة الماضية في منطقتنا العربية التي غيّرت محاور و أولويات العالم منذ أكثر من ثمانية أشهر عقب عملية طوفان الأقصى التي قادتها فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي و التي قلبت كل المعايير و الموازين يأتي بالأمس تصريح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ليشكّل لحظة فارقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني و يشكّل أول إدانة حقيقية للكيان الغاصب في انتظار توضّح الخطوات المقبلة.
ففي ظل المتغيّرات المتسارعة على الساحة العالمية، مازالت محكمة الجنايات الدولية تبحث عن تثبيت نفسها كحصن للعدالة و القانون الدولي خصوصا مع الحديث عن الضغوطات الغربية التي تسعى عديد العواصم لتسليطها على قضاة المحكمة حتى تتفصّى إسرائيل مرة أخرى من المحاسبة، فالقرار الأخير الذي أصدره مدّعي عام المحكمة كريم خان يعدّ في مجمله خطوة مهمة في مسار محاسبة الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية و الحروب التي تشنّ تحت ذرائع واهية و خدمة لأجندات استعمارية بغيضة يذهب ضحيتها الإنسان في كونيّته دون ذنب ارتكبه.
تأتي هذه الخطوة في وقت تتعالى فيه الأصوات الحرة و الضمائر الحية المطالبة بالعدالة و المساواة في تطبيق القانون و تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكب في قطاع غزّة المنكوب من غلاة الصهاينة من القيادات السياسية و العسكرية لتقيم الدليل مرة أخرى على بشاعة هذا الكيان المحتل و إيغاله في ممارسة جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية باعتراف دولي لا لبس فيه حتى و إن حاولت بعض الأصوات و القراءات تنسيب تصريح مدعي عام محكمة الجنايات الدولية أو التقليل من آثاره.
فالقرار الذي شمل طلب إصدار مذكرات اعتقال رئيس وزراء الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو و وزير دفاعه يوآف غالانت يعكس توجّها جديرا بالتمحيص و التحليل قد يغيّر و لو شيئا ما من موازين القوى و يعيد تشكيل العلاقات الدولية حتى و إن كان ذلك تدريجيا، فالمدعي العام لم يكتف بتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة بل وضع كذلك العالم أمام مسؤولياته حيث أن الجرائم التي ارتكبها الكيان الغاصب لن تكون بعد الآن مجرد أرقام مضمّنة في تقارير بل هي مأساة إنسانية تتطلب تحركا جادا و فوريا و لا يمكن أن تبقى خارج إطار المساءلة و المحاسبة كما تعوّد عليه الصهاينة في كل حروبهم و جرائمهم التي مارسوها ضد الشعوب العربية و ضد الشعب الفلسطيني الأبيّ و الصامد على وجه التحديد.
و رغم أهمية القرار في توقيته و دلالاته، إلا أنه نظر للحقيقة بنصف عين حين ساوى بين الجلاد و الضحية  بطلبه إصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من قادة حماس حيث أن ما تحدث عنه مدعي عام المحكمة يمثل إدانة مزدوجة للطرفين في حين أننا إزاء وضعية مقاومة ضد دولة احتلال افتكت الأراضي و أبادت شعبا و لا تزال تفعل ذلك بكل صلف في حين أن كل المواثيق الدولية تعترف بحق قوى المقاومة في استرداد أراضيها و حقها المسلوب.
على أن التحدّي الأكبر الذي يواجه المحكمة الجنائية الدولية الآن هو كيفية تنفيذ هذه القرارات في ظل السياسات المعقدة و التحالفات الدولية الراهنة و مع ذلك يبقى الأمل قائما حتى و إن كان ضعيفا في فرضية أن يكون هذا القرار بداية لعهد جديد من العدالة الدولية بشكل لا يستثني أحدا من المحاسبة و لا يُغضّ فيها الطرف عن الجرائم المقترفة مهما كانت الظروف، و قد يكون قرار مدعي عام المحكمة لدى المتفائلين بمثابة الإنذار لكل من يظن أن القوة يمكن أن تحجب الحقيقة و تسكت صوت العدالة.  
هاشم بوعزيز

تعليقات الفيسبوك